في الوقت الذي يُنتظر فيه سماع نتائج حول الحرب التي غيّرت بعض الموازين السياسية والاقتصادية في العالم، تُعلن روسيا الانسحاب من مدينة خيرسون التي تعتبر العاصمة الوحيدة لمنطقة تمكنت قوات الجيش الروسي من السيطرة عليها في بداية الحرب في أواخر شباط، في نبأ يُظهر أن الموقف الروسي في هذه المعركة بدأ بالتراجع، فيما تشير بعض التحليلات إلى خلفيات أخرى تكمن وراء هذه الخطوة الروسيّة العلنيّة.
وفي هذا السياق أشارت صحيفة “الشرق الأوسط” إلى أن الانسحاب من خيرسون بمثابة خسارة كبيرة لروسيا، حيث جاء فيها: “الأمر المعلن أمام الجميع أن بوتين -وليس روسيا- تكبد نكسة كبرى ولا أحد يعرف كيف سوف يرد أو أين، لكنه لا يستطيع أن يتحمل ويحمّل موسكو معه وزر هذا الانكسار، ومن الواضح أيضاً أن السلاح الروسي خسر أمام السلاح الغربي، ومواجهة بوتين الكبرى الآن هي في الداخل، فضعف الرجل القوي في الخارج أفقده كثيراً من الهيبة والرصيد”.
فيما نشر مركز “ستراتفور” الأمريكي للدراسات تحليلاً يحمل وجهة نظر مختلفة عما جاء في “الشرق الأوسط” حيث جاء فيه: “قد يؤدي انسحاب روسيا من خيرسون إلى زيادة الدعوات الغربية لاستئناف المفاوضات مع روسيا ووقف إطلاق النار المحتمل خلال الشتاء، لكن من غير المرجّح حاليّاً أن تنضم أوكرانيا إلى المحادثات، وقد أفادت شبكة “NBC” بأن بعض المسؤولين الغربيين باتوا يعتقدون أنه لا يمكن لأي من الجانبين تحقيق أهدافهم من الحرب وأن التباطؤ المتوقع في القتال خلال الشتاء يمثّل فرصة لاستئناف المحادثات الدبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا، ومن المرجّح أيضاً أن تزداد هذه القناعة بين المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين الذين بدأ قطاع كبير منهم يلمّح بشكل غير رسمي إلى المفاوضات أو يدعو إليها علناً وسط الجمود المحتمل على الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا”.
وكذلك صحيفة “عكاظ” السعودية أشارت إلى أن “خبراء عسكريون طرحوا الانسحاب الروسي في خانة إعادة الانتشار والإعداد لهجومٍ مضاد ونصب فخ للقوات الأوكرانية بهدف استدراجها ومحاصرتها في مدينة كانت من أول المدن الاستراتيجية التي سقطت في قبضة الروس في بداية الحرب، لافتين إلى أن الانسحاب ليس أمراً مفاجئاً خصوصاً للروس، على خلفية تحذيرات باحتمالات تفجير كييف سد كاخوفكا ما سيؤدي إلى حصار القوات الروسية على الضفة اليمنى لنهر دنيبرو، ومن ثم البقاء الروسي في الضفة اليمنى اعتُبر بمثابة مخاطرة كبيرة ومجازفة بالأرواح والمعدات، وبحسب محللين عسكريين فإن الانسحاب الروسي سيدفع القوات الأوكرانية إلى السيطرة على المنطقة التي أخلاها الروسي، وهو ما سيجعلهم مكشوفين عسكرياً وفي مرمى نيران الصواريخ والمدافع الروسية، لكن هناك من يعتقدون أن الانسحاب الروسي يمكن أن يقود إلى تخفيف حدة الأزمة الأوكرانية، أو يدشن لمرحلة جديدة من التفاوض بين موسكو وكييف والدخول في مرحلة تقديم التنازلات المتبادلة لإنهاء الحرب، كما يمكن أن يُفهم في إطار إن ثمّة دوافع سياسية وبادرة حسن نية بشكل غير مباشر من قِبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مفادها أنه لا توجد حلول عسكرية للأزمة، وأنه لا بديل عن عودة الحوار والخيار الدبلوماسي”.
فيما لفتت صحيفة “التايم” البريطانية إلى أنه “حتى لو استعادت أوكرانيا السيطرة على خيرسون، يتفق معظم الخبراء على أن الحرب ستستمر على الأرجح لسنوات عديدة أخرى، مع تركيز القتال الدوري في مناطق محددة”، ونقلت عن مسؤول غربي كبير قوله: “الانسحاب من خيرسون يظهر تغييراً في تفكير سيّد الكرملين”، مضيفاً: أن “بوتين يسعى إلى تجميد النزاع لكسب الوقت بهدف إعادة بناء جيشه وتدريب جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم مؤخراً”.
يشير الخبراء إلى أنه منذ شباط الفائت، بدأ النشاط الروسي يبرز على عدة أصعدة، ولم تكتفِ روسيا في معركتها ضد الغرب على العمليات العسكرية، بل نشطت على عدة أصعدة تمهيداً لتشكيل عالم متعدد الأقطاب، الأمر الذي برز بشكلٍ لافت في التبدلات التي طرأت على التحالفات العالمية لا سيما بين إيران وروسيا.