على وقع الحديث العالمي عن العداء ضد العرب والمسلمين خصوصاً أو ما بات يعرف بالـ”إسلاموفوبيا”، تظهر حادثة نيوزلندا لتعيد لأذهان فئة الشباب، فكرة أن الإرهاب لا يستند إلى دين أو عرق بعد أن اقتصرت تلك الكلمة على العرب والمسلمين خلال العقد الأخير.
الفكرة التي رُسخت لدى فئة الشباب لم يكن منطقها فقط ماجرى خلال العشر سنوات الأخيرة فحسب، بل كانت ناتجة عن منظومة الإعلام الغربية التي تضخّم وتركّز بشكل مستمر على ظاهرة تسميها بـ”الإرهاب الإسلاميّ” وتلصق هذه التّهمة بالمُسلمين وحدهم، وتصوّر المُجتمع الغربي على أنّه الضحيّة بصورة إنسانية تحمل الكثير من المعاني المزيفة، وتروج لأن الغرب لا يتعامل مع الإنسان إلّا من الجانب الإنساني دون النظر إلى دينه أو عرقه حتى بدأت تلك الصورة تعم العالم، إلى أن وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة وبدأ يتحدث عن الطابع الأوروبي والأمريكي بصورة أكثر صراحة وعلانية ما أدى إلى إعادة ظهور القومية البيضاء بشكل أقوى لينتج عن ذلك حادث المسجدين في نيوزلندا يوم الجمعة الفائت.
حيث قالت أكبر صيحفتين أمريكيتين إن سفاح نيوزيلندا الذي ذكر في “اعترافاته” اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يستخدم العبارات نفسها التي وصف بها ترامب المهاجرين، وتحديداً كلمة “غزاة”.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: “إذا كانت فكرة أن المسلمين يشكلون خطراً أصبحت منتشرة، فإن ذلك يعود إلى استعمال مثل هذا الكلام من قبل الرئيس ترامب”.
وأشارت الصحيفة إلى تصريحات ترامب خلال زيارته لبريطانيا العام الماضي، التي حذّر فيها المملكة المتحدة قائلاً”: “إن الهجرة بدأت تغيّر النسيج الاجتماعي في الدول الأوروبية”، مضيفةً أن ترامب دعا إلى العمل بسرعة للتعامل مع الهجرة.
ولفتت صحيفة واشنطن بوست إلى تصريحات ترامب التي قال فيها: “إن الإسلام يكرهنا”، مؤكدة أنه “من غير المفاجئ أن نرى إرهابي المسجدين في نيوزيلندا يشيد بترامب كرمز للهوية الجديدة للبيض والهدف المشترك”، وهو ما يشير إلى أن الرئيس الأمريكي هو من عاد لإحياء فكر “العرق الأبيض” من جديد وتحفيزه على الظهور بشكل أكثر فاعلية.
ما جرى في نيوزلندا أشبه بتقديم هديّة قيمة لتنظيم “داعش”، خصوصاً في هذا التوقيت الذي بات فيه التنظيم بحكم المنتهي ويحتاج إلى عمل أمني بعيداً عن التواجد الجغرافي المحدد، فمن أهم قواعد ظهور التطرف لأي جماعة هو ظهور تطرف من الجماعة المقابلة، وما جرى في نيوزلندا قد يقنع الكثير من المتشددين بمختلف أنحاء العالم بأن ما كان يقوم به تنظيم “داعش” هو الصحيح، ما من شأنه تسهيل عمليّات التّجنيد التي من الممكن أن تتصاعد وتصل لآلاف الشبّان المُحبطين والمُستهدفين من قبل اليمين العُنصريّ في الدول الغربيّة، خصوصاً وأن تلك الهجمات لم تتوقف على ماجرى في نيوزلندا حيث تجري العديد من الهجمات الفردية ضد المهاجرين العرب والمسلمين في العديد من البلدان الأوربية والتي كان آخرها طعن لاجئ سوري في ألمانيا بنفس اليوم الذي جرى فيه هجوم المسجدين.