بكثيرٍ من التهديدات وقليلٍ من التنفيذ، يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ شهور محاولاته لإجبار الولايات المتحدة على القبول بخطته المعروفة باسم “المنطقة الآمنة”.
فبعد أشهر من تكرار نفس مسلسل التصريحات المهددة بالقيام بعملية عسكرية والتي تقابلها الولايات المتحدة ببعض الإجراءات السطحية بهدف التقليل من انفعالات الرئيس التركي، ظن البعض بأن قبول الولايات المتحدة بالقيام بتسيير الدوريات المشتركة في الثامن من الشهر الجاري في شمال سورية هو نجاح لأنقرة في الاتجاه السوري، ليتضح بعد ذلك لأنقرة بأن الدوريات المشتركة ليست “منطقة آمنة”، وأنها مجرد مناورة أمريكية أخرى تهدف إلى إبراز مظهر تلبية المتطلبات التركية ببدء دورية مشتركة، لتؤجل الأمر.
مساء أمس السبت عاد الرئيس التركي للهجة تهديداته المعتادة مصرحاً: “استعداداتنا انتهت على طول حدودنا مع سورية، وليست لدينا رغبة بمواجهة الولايات المتحدة”.
إلّا أن تلك التصريحات جاءت هذه المرة مع محاولات من قبل الرئيس التركي لاستمالة الأوروبيين بإظهار حل لأهم مشكلة بين تركيا والدول الأوروبية والمتعلقة بموضوع اللاجئين حيث قال أردوغان “إذا تم تحويل المنطقة الواقعة شرق نهر الفرات إلى منطقة آمنة، فسيكون من الممكن، توطين ما يصل إلى ثلاثة ملايين لاجئ ما زالوا يعيشون في بلدنا أو في أوروبا”، في محاولة منه لكسب ضغط الدول الأوروبية على الولايات المتحدة لدفعها إلى إنشاء تلك المنطقة بشكل جدي، لكن لماذا لا تريد الولايات المتحدة تلك المنطقة؟
الرفض الأمريكي لموضوع المنطقة الآمنة ينطلق من منطلقين أساسيين الأول استراتيجي أما الثاني مادي، فمن المنطلق الاستراتيجي ترى الولايات المتحدة في مشروعها مع الكرد خطة إقليمية لا تقتصر على سورية فحسب، ففي حال تمكنت من إحياء “كنتون” كردي (وهو الأمر الذي لا يوجد أي معالم لنجاحه) قد تشجع بذلك الأكراد في الدول المجاورة للقيام بحركات انفصالية تضعف من نفوذ وقوة تلك الدول، فالمشروع الأمريكي في شرق الفرات هو نواة لمشروع إقليمي في المنطقة ولا يقتصر على سورية فقط.
أما من الجانب المادي فالجميع يذكر حديث دونالد ترامب قبل أكثر من عام عندما قال لبعض دول الخليج “إذا أردتم أن نبقى في سورية فعليكم أن تدفعوا” وبقاء القوات الأمريكية في سورية أكبر دليل على أن ذلك المطلب قد تم، خصوصاً وأن العلاقات القائمة بين ابن سلمان وترامب بات لها أبعاد اقتصادية كبيرة للولايات المتحدة ولن يُفرط بها الرئيس الأمريكي الذي يعتمد في سياسته على مبدأ المال، ويستند ذلك إلى الصراع القائم بين تركيا والسعودية ومحاولات الأخيرة للحد من التمدد الإخواني في المنطقة والمحاولات التركية لإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية.
من زاوية أخرى فإن الفيتو المزدوج لروسيا والصين أول أمس والذي جاء لإسقاط مشروع قرار تقدمت به ألمانيا وبلجيكا والكويت، ينُص على وقفٍ فوريٍّ لإطلاق النّار في مُحافظة إدلب، يشير إلى أنّ الحسم العسكريّ لإعادة هذه المُحافظة إلى سيادة الدولة السورية، لم يعُد وشيكاً فحسب، وإنما يحظى بدعمِ دولتين عظيمتين دائمتي العضوية في المجلس، وهو ما من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة للتمسك بشكل أقوى بما تبقى لها من أوراق في سورية ومنع أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى انقسامات في “قوات سوريا الديمقراطية” كمشروع “المنطقة الآمنة”.
قد يواصل الرئيس التركي تهديداته التي اعتاد عليها الأمريكيين خلال الأيام أو الأشهر المقبلة لكن مما لا شك فيه بأنه لن يقدم على أي عمل عسكري من “طرف واحد” كما يدعي، إلّا في حال التوصل لخطة ترضي الولايات المتحدة، كدخول القوات التركية بعرض 5 كيلو متر أو أكثر بقليل، فالرئيس التركي ليس في صدد أي عقوبات اقتصادية أمريكية جديدة تؤثر على حكمه المتأرجح.