تزامن حديث الإعلام التركي أمس عن نداءات تحذّر من عملية عسكرية تركية شمالي سوريا وتحشيد عسكري تركي، مع تصريحات لمسؤولين أتراك حول احتمال وصول المحادثات التركية-السورية إلى مستويات أعلى، أضاف المزيد من التشويش على المشهد السياسي التركي في الملف السوري، إلى أن جاء تصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، معلناً: “لن يكون هناك عملية عسكرية شمالي سوريا وإنما تحذير صغير”، وفقاً لما نقلته صحيفة “يني شفق” التركية.
بحسب الخبراء يبدو تصريح صويلو، دليلاً واضحاً على أن أنقرة قررت حفظ ماء وجهها، بعد تهديداتها المتعلقة بشن عملية عسكرية شمالي سوريا، لافتين إلى أن ملف هذه العملية، حُسم منذ أن عُقدت قمة طهران في التاسع عشر من تموز الفائت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والإيراني إبراهيم رئيسي، الأمر الذي برز بوضوح بتصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره السوري فيصل المقداد، بعد يوم واحد من القمة، حيث قال حينها حول العملية التركية شمالي سوريا: “نأمل أن تنتبه تركيا إلى مخرجات قمة طهران”، وكذلك أكدت التسريبات أن أردوغان لم يأخذ ضوءاً أخضر للشروع بعملية تركية شمالي سوريا، أما قمة “سوتشي” بين أردوغان وبوتين التي عُقدت بعد أيام من قمة طهران، فكانت مكملة لمخرجات قمة طهران، حيث قال في هذا الصدد المحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو: “التصريحات التي صدرت من قمة طهران تؤكد أن روسيا وإيران أبدتا امتعاضاً من القيام بالعملية العسكرية، ولكن تركيا طالبتهما بتقديم دعمهما الكامل من أجل القضاء على الإرهاب”، مضيفاً أن “الفترة المقبلة ستشهد تنسيقاً تركياً-روسياً أكبر في هذا الملف”، وفقاً لما نقلته قناة “الحرة” الأمريكية.
ما سبق ذكره، تؤكده التصريحات التركية الرسمية الأخيرة التي كانت بعيدة تماماً عن ملف العملية العسكرية التركية، حتى تصريح صويلو، الذي ارتبط بالعملية العسكرية جاء ليطوي صفحتها لا للتأكيد عليها، وكذلك التحليلات لم تعد تتداول ملف العملية التركية، بل باتت تراقب مسألة التقارب التركي-السوري بكافة عناصرها، حيث قال حياتي يازنجي، نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا أمس الثلاثاء: “إن العلاقات مع دمشق قد تصبح علاقات مباشرة بعد أن تتطور وترتقي إلى مستوى أعلى”، مضيفاً أنه “حتى اليوم كان الحوار يتم بطريقة غير مباشرة عند مستوى محدد، واليوم ارتفع هذا المستوى بعض الشيء والمناخ الذي سيتشكل بارتفاعه أكثر في المستقبل سيسهم في الخروج من هذا المستنقع القائم في سوريا منذ 11 عاماً”.
وحول جديّة هذه التصريحات وواقعيتها، نقل موقع “المونيتور” الأمريكي عن مصادر تركية رفيعة المستوى قولها: “إن الجهود المبذولة للتعامل مع دمشق تتم بقوة متجددة وبدعم من الكرملين” مشيرة إلى أن “إيران وروسيا وقطر والإمارات العربية المتحدة – كلها جزء من هذه المحادثات”.
ولفت الموقع في مقاله إلى وجود عوامل متعددة “تجعل المصالحة مع الدولة السورية أو الحديث عنها بأي حال، جذابة بشكل متزايد، والأكثر إلحاحاً هو بقاء أردوغان، فالاقتصاد التركي، في حالة سقوط حر، والاستياء ضد اللاجئين السوريين يتصاعد، وكذلك الاعتداءات العشوائية عليهم تتزايد”، مشيراً إلى أن المعارضة التركية تقول: “إنه بمجرد وصولها إلى السلطة، فإنها “ستعيد السوريين إلى بلادهم ومن ثم التطبيع مع الدولة السورية الأمر الذي يعتبر أنه لا بد منه”.
ما ذكرته مصادر الموقع الأمريكي “الرفيعة” ينقصها الحديث عن متطلبات هذا التقارب، فعشر سنوات من التوتر والاحتلال والعمليات العسكرية والمواقف السياسية المناهضة لسوريا في المحافل الدولية لا يمكن أن تنتهي باتصال هاتفي أو ببضع خطوات غير رسمية، الأمر الذي أشار إليه الصحافي السوري زياد غصن في مقال له على موقع “الميادين نت” من خلال إجراء مقاربة بين ما التصريحات التركية حول احتمال حدوث تقارب مع سوريا، وما جرى قبيل أن تجري المكالمة الهاتفية بين الرئيس بشار الأسد، وملك الأردن عبد الله الثاني، التي جرت في الثالث من تشرين الأول 2021، حيث قال: “الاتصال الهاتفي الذي جرى قبل أشهر قليلة بين الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله الثاني، وكان الأول منذ عام 2011، خير أنموذج، إذ أن الاتصال المذكور توج جهوداً ولقاءات استمرت على مدار أكثر من عام، جرى خلالها الاتفاق على كثير من النقاط والملفات”.
يؤكد الخبراء والمختصون أن الحديث عن تقارب سوري-تركي يحتاج إلى العديد من الخطوات التمهيدية والتفاهمات، لكن في الوقت ذاته، أما التصريحات التركية فما هي إلا مناورة سياسية تحتاج إليها أنقرة في هذه المرحلة وقد تكون ضمن إطار تفاهمات معينة.
زهراء سرحان- أثر برس