في الوقت الذي تُعلن فيه موسكو عن استكمال تحضيراتها لجولة أستانة المقبلة، يجري الحديث عن تصعيد ميداني لافت في محافظة إدلب ورسائل روسية إلى تركيا من هذا التصعيد.
تقارير إعلامية نشرته عدة وسائل إعلام تؤكد أن خلال الأيام الفائتة شهدت محافظة إدلب تصعيد عسكري لافت، حيث أفادت جريدة “الأخبار” اللبنانية بأن القوات الروسية تسيّر عدداً كبيراً من طائرات الاستطلاع لرصد أهداف تابعة للمسلّحين، ثمّ يقوم الجيش السوري بضربها عبر قصف مدفعي مكثّف، في عمليات يتركّز أغلبها في منطقة جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي.
ولفتت الصحيفة إلى أنه يبدو أن موسكو تريد من هذا التصعيد الذي وصفته بـ”المضبوط استخدامه” وسيلة للضغط على أنقرة في ملفَّين أساسيَّين: المساعدات الدولية عبر المعابر الحدودية، وتطبيق “اتفاق سوتشي 2020” الذي عُقد في 5 آذار من العام الفائت عبر فتح الطريق الدولي حلب ــــ اللاذقية (M4) أمام الحركة المدنية بين منطقتَي ترنبة غرب سراقب، وعين الحور في ريف إدلب الغربي، وفيما يتّصل بالملفّ الأوّل تحديداً، ترى موسكو في الآلية الدولية السابقة لإدخال المساعدات، والتي تنتهي صلاحيتها منتصف العام الحالي، «انتهاكاً» للسيادة السورية، مطالِبة بدلاً من ذلك باستخدام معابر تسيطر عليها الحكومة السورية حصراً، بينما ترفض باقي دول مجلس الأمن طلبها هذا.
ونقلت “الأخبار” عن مصادرها أن لدى الدولة السورية وروسيا، شروطاً أساسية للقبول بتمديد قرار مجلس الأمن رقم 2533، على رأسها “مشاركة مندوبين رسميّين عن الحكومة السورية، أو مندوبين عن ثُلاثيّ أستانة: روسيا، إيران، وتركيا، في عملية توزيع المساعدات الدولية التي تدخل البلاد” موضحة أن “الجانب الروسي يهدف من خلال هذه المطالب إلى مراقبة حركة المساعدات وطريقة توزيعها، بالإضافة إلى تكريس دور رسمي للحكومة السورية في العملية بالتعاون مع الأمم المتحدة، عبر إدخال المساعدات إلى دمشق أولاً، ثمّ توزيعها على المناطق كلّها بالتساوي، وإدخالها إلى إدلب عبر المعابر الآمنة التي تصل مناطق سيطرة الجيش بمناطق سيطرة الفصائل المسلّحة”.
وأضافت الصحيفة اللبنانية أن موسكو يبدو أنها تسعى، من خلال التصعيد في إدلب، إلى الضغط على أنقرة لمنعها من الانخراط في المشروع الأمريكي حول المعابر، بل دفعها إلى الاشتراك في الحملة الروسية المقابِلة، ومع إدراك الروس أهمية معبر باب الهوى بالنسبة إلى الجانب التركي، فإنهم يسعون إلى إفهام أنقرة بأنهم لا يريدون إغلاق المعبر بقدر ما يريدون المشاركة في مراقبة دخول المساعدات عبره، وكيفية توزيعها، وفي خلفية المساعي الروسية، استشعار واضح لكون الموقف التركي مائلاً إلى الموقف الأمريكي – الغربي بخصوص هذه القضية.
وفي تقاطع مع حديث “الأخبار” نقلت قناة “سكاي نيوز” عن الباحث المُختص في الشؤون السياسية أدهم النُميري، حديثه حول الدوافع من إرسال رسائل سياسية لتركيا من هذا التصعيد، لافتاً إلى أن الدولة السورية تحاول الضغط على تركيا للقبول بفتح المعابر الإنسانية التي تربط المحافظة مع مناطق سيطرة الدولة السورية كونها منطقة سورية، أما بالنسبة لروسيا فأشار النميري إلى أن: “روسيا تعيش وقتاً ترى فيه تركيا وهي تزيد من روابطها والتزامها بمحددات ورؤية الولايات المُتحدة الأمريكية وحلف الناتو، سواء في سوريا أو عموم المنطقة، وهو أمر يعني مفارقة لحالة الشراكة الفعلية التي كانت تجمعها بروسيا، لذلك ترى روسيا في إدلب خاصرة رخوة تستطيع عبرها أن توجه رسائل قاسية إلى تركيا، وتنبهها إلى أهمية ما كانت قد توصلت أليه من تفاهمات سياسية وعسكرية سابقة بشأن سوريا وعموم المنطقة”.
حيث نقلت القناة عن مصادر عسكرية مراقبة لأجواء محافظة إدلب، قولها: “إن نوعية الأسلحة التي اُستخدمت خلال عملية القصف الأخيرة، والمساحة الشاسعة نسبياً للمناطق التي تم تغطيتها من خلال الهجوم الثنائي الذي نفذه الجيش السوري ونظيره الروسي، يدل على أن مجموعة من المطالب السياسية تكمن وراء هذا التصعيد، سواء من تركيا أو الفصائل المسلحة المسيطرة على تلك المنطقة، كما توقعت ألا تكون هذه العملية وحيدة في سياقها، بل أن يليها مجموعة من العمليات التصعيدية اللاحقة”.
وتُعقد هذه الجولة في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن إلى إثارة ملف المعابر الإنسانية شمالي سوريا، كما يسبق انعقادها جلسة مجلس الأمن التي سيتم خلالها بحث ملف هذه المعابر بأيام، كما تتزامن هذه الجولة مع عدة مستجدات تطرأ على العلاقات بين روسيا وتركيا وأمريكا في المنطقة.