خاص ||أثر برس تعيش مدينة حلب منذ عدة أسابيع في أزمة محروقات خانقة، على صعيد مادتي البنزين والمازوت، اللتين أصبحتا الشغل الشاغل للحلبيين، في ظل الحاجة الملحة إليهما سواء للتدفئة من برد الشتاء القارس، أو نظراً لانعكاسات نقصهما المباشرة على واقع المواصلات في كافة محاور المدينة.
وأكد معظم أصحاب السيارات، الخاصة والعمومية (التكاسي)، خلال حديثهم لـ “أثر”، عدم استلامهم رسائل البنزين المدعوم منذ فترة طويلة ناهزت الـ 20 يوماً، منوهين بأن تأخر الرسائل لا يقتصر فقط على رسائل البنزين المدعوم، وإنما يشمل أيضاً رسائل تعبئة البنزين الحر التي تأخرت بدورها للفترة ذاتها.
وفي ظل تأخر وصول الرسائل وطفو أزمة البنزين على السطح، حققت أسعار البنزين في السوق السوداء ارتفاعات متتالية بشكل “دراماتيكي”، وقفزت على مراحل متسارعة من 7000 ليرة لليتر الواحد، إلى أكثر من 12000 ليرة بحسب آخر سعر سُجل في بورصة السوق السوداء ظهر يوم أمس الأربعاء.
من جانبها، شهدت محطات بنزين “الأوكتان95” في حلب، اكتظاظاً هائلاً بالسيارات على دور التعبئة، والذي وصل طوله إلى عدة كيلومترات من السيارات المتوقفة رغم شبه انعدام ثقة أصحابها القابعين بداخلها اتقاءً للبرد القارس، بالوصول أصلاً إلى “فرد الطرنبة”: “إلا أنه ليس بيدنا شيء نفعله إلا التمسك بأمل الوصول وتعبئة سياراتنا الخاوية، وسننام هنا في العراء إن اضطررنا لذلك، وإن لم نصل اليوم فعسى أن نصل غداً”، وفق قول أحد السائقين المتوقفين على دور التعبئة في محطة “الأوكتان” قرب دوار “الليرمون” لـ “أثر”.
رفع تعرفة الركوب بجهد شخصي:
وبطبيعة الحال، انعكست أزمة البنزين الخانقة على واقع عمل سيارات الأجرة “التكاسي” في حلب، والتي رفع سائقوها من تعرفة الركوب في سياراتهم بنسبة زيادة تجاوزت الـ 50% عما كانت عليه قبل أسبوع، وعلى سبيل المثال، فالتوصيلة من حي “الموكامبو” إلى وسط المدينة وبالعكس، ارتفعت من 4000 إلى نحو 6000 ليرة، وأجرة التوصيلة بين حيي “شارع النيل” و”سيف الدولة” أصبحت تتجاوز الـ 8000 بدلاً من 6000 ليرة.
حال المازوت لم يكن أفضل من البنزين، فمع اشتداد موجة البرد وازدياد الحاجة إليه، ارتفع سعر الليتر في السوق السوداء من 6500 إلى نحو 10000 ليرة، بالتوازي مع انخفاض وتيرة توزيع الدفعة “المدعومة” الأولى إلى درجة التوقف تقريباً، كما سجلت انعكاسات بالجملة لأزمة المازوت على واقع الحياة في حلب وخاصة على صعيد “الأمبيرات” ووسائط النقل الجماعي.
وعلى حين أصبح المقعد الخاوي في السرفيس بمثابة الحلم لجموع المواطنين الواقفين في شوارع المدينة بانتظار من يقلهم إلى أماكن عملهم أو منازلهم، عاودت أسعار “الأمبيرات” ارتفاعها خلال الأسبوع الجاري، بمعدلات تراوحت ما بين 10% و20%، بحسب كل منطقة، حيث كانت ذريعة أصحاب المولدات كما في كل مرات رفع الأسعار الماضية، في عدم توفر المازوت وارتفاع سعره في السوق السوداء.
تعامل خاطئ بملف ضبط المحروقات:
ويستنكر حلبيون ما تعيشه مدينتهم من شح إلى درجة الفقدان التام للمحروقات المدرجة على البطاقة الذكية، بينما تتوفر بكميات كبيرة في السوق السوداء، في مشهد وصفه “أبو خالد” لـ “أثر” بجملة مختصرة: “المازوت والبنزين في السوق السوداء بحر بس على البطاقة الذكية ساقية.. ومقطوعة كمان”، وأصبحت كل تساؤلات الحلبيين تتركز ضمن محور واحد: “كيف تتوفر المحروقات في السوق السوداء بتلك الكميات الكبيرة، ومن أين تصل إلى تجارها أصلاً؟”.
وتصدر حديث الفساد في ملف المحروقات، أروقة الشارع الحلبي في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع تحركات حثيثة من قبل الجهات الرقابية على صعيد ضبط وإغلاق عدد من الكازيات لارتكابها مخالفات متنوعة متعلقة سواء بالغش في عمليات التعبئة، أو بالتلاعب في مخازن المحروقات، على غرار ما تم الكشف عنه يوم أمس، حول تلاعب صاحب كازية “الزكية” بريف حلب الشرقي، والذي عمد إلى وضح قميص حديدي وسط خزانات المازوت والبنزين، للتحايل على عمليات القياس التي يتم إجراؤها بين الحين والآخر من قبل الجهات الرقابية، حيث تم إغلاق الكازية، وتغريم صاحبها بنحو نصف مليار ليرة سورية.
والحال أن الإجراءات الرقابية لم تُجد نفعاً في ضبط واقع المحروقات بحلب، الأمر الذي عزاه عدد من المواطنين، إلى التعامل الخاطئ في ملف ضبوط التلاعب، مبدين استغرابهم بشكل خاص من مسألة عقوبة إغلاق الكازية، وأوضحوا بالقول: “عندما يتم ضبط تلاعب في كازية، يكون قرار إغلاقها من ضمن العقوبات المفروضة إلى جانب الغرامة والإحالة إلى القضاء، وعندما يتم إغلاق الكازية فإن كل من ضبطوا بطاقاتهم الذكية سيصبحون محرومين من المخصصات لحين إعادة فتحها، أو سيضطرون إلى تغيير الكازية ويعودوا لانتظار دورهم من البداية، كما سيزيد الضغط على باقي الكازيات”، مطالبين بتشديد إحدى العقوبات الأخرى سواء الحبس أو الغرامة على المخالفين، في مقابل استمرار فتح الكازية، وإدارتها من إحدى الجهات الرقابية المعنية لحين عودة صاحبها بعد تنفيذ العقوبة.
وتعاني سوريا بشكل عام من أزمة خانقة في المشتقات النفطية، حيث أوضح وزير النفط والثورة المعدنية بسام طعمة خلال حديث للتلفزيون السوري أمس، أن الأزمة مستمرة منذ أكثر من 50 يوماً، وأضاف: “كنا نعالجها من المخزون ولم نكن نتوقّع تأخير التوريدات وقمنا بتخفيض المخصصات لتوفير الخدمات الأساسية، ونتابع الأمر مع الأصدقاء لمعالجة الأزمة وإعادة انتظام التوريدات كما كانت سابقاً”.
زاهر طحان – حلب