بعد الجزم بوجود نية لدى تركيا بتغيير سياستها الخارجية وفتح صفحة جديدة مع سوريا، بدأ الحديث يدور عن شروط الجانبين في المفاوضات الجارية بينهما بوساطة روسية، لتكون أنقرة أمام عدة عثرات لحل هذا الملف أبرزها إيجاد حل جذري لمشكلتها الأمنية على حدودها مع سوريا ومشكلة مصير فصائلها الشمال السوري وعلاقتها مع الفصائل الجهادية المنتشرة في إدلب.
موقع “المونيتور” الأمريكي أشار إلى وجود مخاوف لدى المجموعات الجهادية في إدلب وفصائل أنقرة في الشمال من المتغيرات الطارئة على السياسة التركية، حيث جاء فيه: “تشعر المعارضة السورية المدعومة من تركيا والفصائل الجهادية الأخرى بالقلق من أن تقارب تركيا مع الحكومة السورية وانشغالها بالانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها الصيف المقبل سيعني المزيد من الهجمات على مناطقهم في شمال غربي سوريا” مشيراً إلى ارتفاع وتيرة القصف الروسي على مواقع الفصائل الجهادية في إدلب، مؤخراً.
صحيفة “العرب” اللندنية أشارت في مقال لها إلى أن “التصريحات الأخيرة فيما يخص استعداد أنقرة لإجراء حوار مع دمشق، تعتبر بمثابة تأكيد على أن مرحلة العمل على إسقاط الدولة السورية هي مرحلة تجاوزها الزمن، وأن الأهم بالنسبة إلى تركيا الآن هو مصالحها الاقتصادية وتحالفاتها الإقليمية”.
لافتة في مقال آخر إلى أنه “أمام هذه المرحلة فإن الكيانات المسلحة وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) لا تملك رفاهية مخالفة سياسات تركيا، وستسعى لتصبح جزءاً من التسوية طمعاً في جني الحد الأدنى من المكاسب وعدم الخروج من المشهد خالية الوفاض، فلا تستطيع هيئة تحرير الشام أو فصائل الجيش الوطني السوري الموالية لأنقرة أن تحقق شيئاً ذا بال بمجهود فردي، وليس أمامها إلا أن تقبل ببعض المكاسب التي يحققها الجانب التركي لها، في سياق الانعطاف تجاه سياسة تحقيق المتاح من خلال التسويات والتنازلات” مرجّحة أنه “من المتوقع أن ينتهي المطاف بهذه الفصائل إلى الانخراط في أحد الفيالق تحت إشراف روسي – تركي تحت السيادة السورية، مقابل دخول المؤسسات المدنية لحكومة دمشق إلى مناطقها”.
كما أفادت صحيفة “الأخبار” اللبنانية بأن أنقرة قد تُقدم على بعض الخطوات لإعادة ترتبيب أوضاع هذه الفصائل والمجموعات الجهادية، حيث نشرت: “تُهندس تركيا ترتيبات أخرى تتعلّق بإدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، تهدف إلى إدخال “الهيئة” في السياق الميداني والسياسي، عبر توحيد مناطق نفوذ أنقرة في الشمال السوري، غير أن هذه الترتيبات لا تزال تواجِه تحدّيات عديدة، أبرزها اندراج “تحرير الشام” ضمن لائحة الإرهاب الدولية، واحتمال مقاومة الفصائل مساعي أبو محمد الجولاني (زعيم الهيئة) إلى السيطرة على مناطق جديدة في ريف حلب، ومن هنا، تسلك تركيا، في هذا الصدد، مساراً متدرّجاً ومتأنّياً، بدءاً من عمليات تلميع الجولاني وجماعته والتي لا تزال مستمرّة، مروراً باستمرار التضييق على الجماعات الجهادية المنتشرة في إدلب، وصولاً إلى التخلُّص من الشخصيات غير السورية في صفوف “تحرير الشام”، وهنا يَبرز استمرار ظهور زعيم الهيئة في مناسبات اجتماعية عديدة، وإظهار اهتمامه بالأقلّيات الموجودة في إدلب، واشتغاله على الحدّ من مظاهر التشدّد، وكلّ ما تَقدّم تمهيداً لخطوة توحيد مناطق النفوذ التركي”.
يبدو أن هناك توجهاً تركياً لإعادة ترتيب الفصائل التي دعمتها على مدار السنوات الفائتة خلال الحرب السورية، ضمن كيانات جديدة، فيما يشير الخبراء إلى أن تشكيل هذه الكيانات سيترتب عليها بالتأكيد التخلي عن بعض المقاتلين ليكونوا بمثابة جزء من الثمن الذي ستدفعه تركيا ضريبة تغيير سياساتها الخارجية.