شن الاحتلال الإسرائيلي أمس الأربعاء، غارة جوية على مدينة تدمر جنوبي حمص خلّفت 36 شهيداً و46 إصابة وفق ما أكدته الدفاع السورية، وتعد هذه الإحصائية هي الأكبر للغارات الإسرائيلية التي تستهدف سوريا.
وأكدت الدفاع السورية أن العدوان تم من جهة منطقة التنف جنوب شرقي سوريا التي تضم أحد أهم القواعد العسكرية الأمريكية.
أهمية قاعدة التنف الأمريكية؟
توجد قاعدة التنف الأمريكية عند المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، وتم تأسيسها عام 2016، ووفق “معهد واشنطن للدراسات” فإن القاعدة تضم من 100 إلى 200 جندي أمريكي.
وتُعرب واشنطن باستمرار عن أهمية قاعدة التنف بنظرها، إذ تحرص واشنطن على إحاطة القاعدة بفصائل مسلحة كانت من ضمن فصائل المعارضة، إذ تدعم واشنطن فصيل “جيش سورية الحرة” الذي كان يُطلق عليه مسمى “جيش سورية الجديدة” وبعدها أُطلق عليه مسمى “مغاوير الثورة” وصولاً إلى تسمية “جيش سورية الحرة” وتعمل واشنطن على تدريب هذا الفصيل وتمويله، وتوليه مهمة حماية حدود القاعدة.
كما تزوّد الولايات المتحدة القاعدة باستمرار بالأسلحة من منظومات دفاعية وغيرها، وتعد المعابر غير الشرعية التي تربط العراق بمناطق شرقي سوريا، خطوط إمداد رئيسية للقواعد التي تنتشر فيها قوات أمريكية في سوريا.
وإلى جانب هذا الدعم العسكري، تُعتبر التنف من المراكز التي يزورها المسؤولون العسكريون الأمريكيون الذين يصلون إلى سوريا، ففي آذار 2023 زار القاعدة رئيس هيئة الأركان الأمريكية السابق مارك ميلي، كما سبق أن زارها قائد القيادة المركزية الأمريكية مايكل كوريلا.
وتُعلن واشنطن أن هدفها من الوجود التنف مرتبط بثلاث ملفات وهي محاربة “داعش” والحد من الوجود الإيراني في سوريا، والاستفادة من القاعدة في المفاوضات المتعلقة بمستقبل سوريا، وفق ما نقلته “مؤسسة بروكينغز” عن الكولونيل دانييل ماغرودير جونيور من القوات الجوية الأمريكية، في تشرين الثاني 2020.
وأشار “معهد واشنطن للدراسات” إلى أنه “غالباً ما يتهرّب المسؤولون العسكريون الأمريكيون من الإقرار علناً بالهدفين الثاني والثالث نظراً إلى المخاوف حيال التبرير القانوني للوجود الأمريكي في سوريا”.
وغالباً ما كانت تُستثنى هذه القاعدة من الأحاديث المتعلقة بالانسحاب الأمريكي من سوريا، ففي كانون الثاني من عام 2019، عندما أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نيته لسحب قوات بلاده من سوريا، نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها جون بولتون، تأكيده على أن قرار ترامب المتعلق بالانسحاب من سوريا لا يشمل قاعدة التنف.
كما تحرص الولايات المتحدة على فصل القاعدة الأمريكية الموجودة في التنف عن القواعد الموجودة شرقي سوريا، وفي هذا الصدد، لفت “معهد واشنطن للدراسات” في تقرير له إلى أن القاعدة تقع على طول واحد من الطرق السريعة الرئيسية بين بغداد ودمشق، ما يعزلها عن القوات الأمريكية الموجودة شمال شرقي سوريا.
ولفت التقرير إلى أن “القاعدة الأمريكية البعيدة في التنف تبقى أداة منخفضة التكلفة وعالية الأثر نسبياً لممارسة النفوذ على آفاق سوريا بعيدة الأمد”.
مهمة لـ”أمن إسرائيل”:
تؤكد تقارير أمريكية أن التنف مهمة جداً للاحتلال الإسرائيلي، سواء من الناحية الاستخباراتية أو من ناحية تأمين مرور طائرات الاحتلال التي تنفذ غارات على مناطق عدة ي سوريا من دون أن يتم كشفها عبر الرادارات السورية، وفي هذا الصدد أكد تقرير لـ”معهد واشنطن للدراسات” أن الوجود الأمريكي في قاعدة التنف أثبت أنه مفيد للاحتلال الإسرائيلي في غاراته التي ينفذها باستمرار على سوريا.
وأوضح التقرير أنه “عن طريق الهجوم عبر حامية التنف العسكرية، تمكنت القوات الإسرائيلية من تجنب أنظمة الرادار السورية للإنذار المبكر الموجهة نحو الغرب والجنوب الغربي”.
بدوره، نشر موقع “المونيتور” الأمريكي في وقت سابق تقريراً أكد فيه أنه “سبق أن استخدمت طائرات مقاتلة إسرائيلية الممر بطول الحدود الأردنية- السورية والمجال الجوي حول التنف لاختراق الأجواء السورية لشن ضربات”.
ولا يُخف الأمريكيون مسألة “حماية أمن إسرائيل” عبر قاعدة التنف، ففي عام 2019 عندما أكد بولتون أن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا لن يشمل التنف، أشار إلى أن “الانسحاب الأمريكي من قاعدة التنف مشروط باتفاق أمريكي-روسي يقضي بوجود القوات الروسية بدلاً من الأمريكية في تلك القاعدة”، مؤكداً أنه يحاول إقناع حليفه “الإسرائيلي” أنه بهذه الحالة لن تكون هناك خطورة على “أمنه”، وفق ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.
وعام 2023 عندما زار الرئيس السابق لهيئة الأركان الأمريكية مارك ميلي، التنف، لفت تقرير نشرته صحيفة “الأخبار” اللبنانية إلى أن “ما يفسّر سبب اختيار ميلي التنف تحديداً، بدلاً من القواعد الأمريكية الموجودة شمال شرقي البلاد، هو الحرص على مراعاة أمن الإسرائيليين ومساعدتهم في تحقيق أهدافهم في سوريا، وتأكيد عدم وجود أيّ نيات للانسحاب من هذا البلد”.
يشار إلى أن قاعدة التنف من القواعد التي تعرضت لاستهدافات عدة في سوريا وكان أولها في 20 كانون الثاني 2021، وكان آخر استهداف في 28 تشرين الأول من العام الجاري.