شهدت منطقة شرقي سوريا حيث تتموضع أهم القواعد الأمريكية في سوريا حالة تصعيد ميداني لافت، فخلال آب الجاري سجلت القواعد الأمريكية الموجودة شرقي سوريا وفي التنف جنوبي البلاد 5 استهدافات، وكان آخرها مساء أمس الأربعاء، حيث أعلنت القيادة المركزية الأمريكية تعرض قاعدتيها في حقل العمر النفطي وحقل كونيكو بدير الزور لقصف صاروخي، تسبب بوقوع جرحى بصفوف الجنود الأمريكيين الموجودين في القاعدة، وكان هذا الاستهداف رداً على قصف أمريكي استهدف مواقع للجيش السوري في الثالث والعشرين من آب الجاري.
هذه الحوادث أنذرت بحالة تصعيد أمريكي في سوريا، ليعلن البنتاغون فيما بعد أن واشنطن لا تنوي التصعيد في سوريا وأن استهدافاتها تصب في أهداف ردع التصعيد وحماية جنوده في سوريا، إلا أن هذا التصريح يبدو أنه لم يمنع الخبراء من البحث في خلفيات هذه الاستهدافات وعناصرها.
صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية سلطت الضوء على موقع محافظة دير الزور الاستراتيجي التي كانت موضع هذا التصعيد، مشيرة إلى أن “دير الزور محافظة استراتيجية على حدود العراق وتحتوي على حقول نفطية، وتسيطر القوات السورية وحلفاؤها على المنطقة وكثيراً ما كانت هدفاً للطائرات الحربية الإسرائيلية في الضربات السابقة”.
فيما نقلت شبكة “CNN” الأمريكية عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية (لم تكشف عن هويته) قوله: “إن بايدن طلب خيارات الرد في وقت مبكر من الأسبوع الماضي، ونوقشت القضية خلال اجتماع للأمن القومي عندما كان الرئيس في واشنطن للتوقيع على قانون خفض التضخم في السادس عشر من آب”، وقال المسؤول: “تم إطلاع وزير الدفاع لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي على الخيارات، وأمر بالضرب بعد ذلك الإحاطة”، فيما أشار التقرير الذي نشرته الشبكة الأمريكية إلى أن: “هذه الضربات الجوية الأمريكية تأتي في وقت حرج بالنسبة للعلاقات الأمريكية-الإيرانية، فالاتفاق النووي الإيراني الذي يهدف إلى منع طهران من تطوير أسلحة نووية يشهد تقدماً، لكن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أكد أنه لا توجد صلة بين الضربات والجهود المبذولة لإحياء الاتفاق”.
لكن بوجهة نظر التحليلات “الإسرائيلية” فإن مفاوضات الاتفاق النووي كان لها تأثير على حجم الضربة الأمريكية، حيث نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” مقالاً تحليلياً لفتت خلاله إلى أن” السؤال هو ما إذا كانت الضربات الجوية الدقيقة التي تقول الولايات المتحدة إنها نفذتها قد أسفرت عن أي ضرر حقيقي أو ما إذا كانت رمزية، حيث يظهر انتقام أمريكا وسط محادثات صفقة الاتفاق النووي أن القيادة المركزية مستعدة لتحديد من يسبب المشاكل، لكن الولايات المتحدة والبنتاغون ما زالا مترددين في مواجهة الجمهورية الإسلامية، وبشكل عام، فضّل البيت الأبيض التقليل من أهمية الهجمات والتهديدات، بالرغم من أن إيران تستخدم بشكل متزايد الطائرات بدون طيار وتهديد إسرائيل من خلال تحليق طائرات بدون طيار من العراق وإيران لاستهداف الدولة اليهودية”.
وحول هذه الضربات ضد القوات الأمريكية في المنطقة أشار موقع “المونيتور” الأمريكي إلى أن استهداف القواعد الأمريكية في سوريا الذي حصل مؤخراً جاء رداً على غارات جوية نفذتها “إسرائيل” على سوريا، حيث قال: “قدمت الولايات المتحدة بعض الدعم الاستخباراتي والعسكري لحملة الضربات الجوية الإسرائيلية الهادئة في سوريا”.
بالتزامن مع هذا التصعيد ناقشت مجلة “نيوزويك” الأمريكية الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، حيث نشرت: “قاومت واشنطن مراراً دعوات لسحب قواتها من سوريا، فيما قال مسؤول كبير في إدارة بايدن لمجلة نيوزويك الشهر الماضي إن المسؤولين الأمريكيين لا يتوقعون أي تغييرات على المدى القريب في الوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا”، ونقلت عن أستاذ العلاقات الدولية الدكتور بسام أبو عبد الله قوله: “إذا استمر الوجود الأمريكي بعد كافة التطورات التي يشهدها الشرق السوري فإن الخطوة التالية ستتحقق بطرق أخرى، ليس من خلال الدبلوماسية، ولكن من خلال المقاومة”.
يبدو أن الحديث عن الضربات الأمريكية على مواقع للجيش السوري وحلفائه لم يعد يتمحور حول الجهة المستهدفة، بقدر ما يتمحور حول حجم هذه الضربات ومدى فاعليتها، في وقت تؤكد فيه التحليلات على تراجع أهمية سوريا ضمن أولويات واشنطن وعودة الحديث عن احتمال إجراء بعض التغيرات على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وسط محادثات الاتفاق النووي والحرب الأوكرانية واحتمالات تشكيل نظام عالمي جديد.