خاص || أثر برس لا تشير المعطيات إلى أن التوافقات الروسية – التركية ستفضي إلى مقايضة بين إدلب ومناطق شرق الفرات التي تهددها القوات التركية بحجة قتال “قوات سوريا الديمقراطية”، شمالي محافظتي الرقة والحسكة، وغالباً ما يكون الحديث عن مثل هذه الصفقات فقط في وسائل الإعلام مع تزايد المعلومات عن قرب إطلاق معركة جديدة من قبل الحكومة السورية ضد التنظيمات المسلحة في شمال غربي سورية.
الهدف من معركة إدلب إن وقعت سيكون تأمين الطريق الدولية “m4” في الجزء الواصل منها بين محافظتي “حلب – اللاذقية”، وذلك لربط عاصمة الصناعة السورية بالمنافذ البحرية بطريق قريبة وآمنة، وهذا سيعني بالضرورة الوصول إلى عمق 5-10 كم شمال الطريق بالنسبة للجيش السوري، وتأتي هذه العملية بعد فشل الجانب التركي بتنفيذ تعهداته التي قدمها في “أستانا”، وغيرها من جلسات الحوار المباشر مع الجانب الروسي بما يخص إلزام الفصائل المسلحة على الانسحاب من محيط الطريق، وخاصة تنظيم “جبهة النصرة”، الذي لا يبدو زعيمه “أبو محمد الجولاني” نفسه ملزماً بالقرارات التركية، خاصة بعد جولات الغزل المتبادل بينه وبين الأمريكيين الذين زادوا مؤخراً من عمليات تصفية شخصيات من تنظيمات تنازع الجولاني على سلطانه في إدلب، الأمر الذي يشير إلى قيام الجولاني نفسه بتسليم المعلومات الاستخبارية اللازمة لتنفيذ مثل هذه العمليات ضد قادة تنظيم “حراس الدين”، ومعارضي “جبهة النصرة.”
فتح الطريق يتطلب أيضاً تأمينه بالنسبة للحكومة السورية في أراضي محافظتي “الرقة – الحسكة”، بما يربط الحدود العراقية بالمنافذ البحرية السورية، والأمر لا يستقيم مع الحديث عن صفقة روسية – تركية تفضي إلى تقديم الجانب الروسي تنازلات في مناطق شرق الفرات بالتخلي عن “قوات سوريا الديمقراطية”، وتركها وحيدة في أي مواجهة قادمة مع تركيا بعد تكرار البرود الأمريكي تجاه التهديدات التركية التي تمثلت باستهدافات مكثفة لنقاط “قسد”، في محيط بلدة “تل تمر” بريف الحسكة، ومحيط مدينة “عين عيسى” بريف الرقة، والأخيرة تبدو الهدف الأهم بالنسبة لـ “تركيا”، بهدف قطع الطريق في جزء حيوي منه يحقق عدة أهداف بالنسبة لأنقرة، من أهمها فرض حصار كامل على مدينة “عين العرب”، والمناطق التابعة لها، إضافة إلى عزل مناطق انتشار “قسد” غرب نهر الفرات في ريف حلب الشرقي (منبج وما يتبعها)، عن مناطق القوة بالنسبة لـ “قسد” في الحسكة والرقة، فالتوسع الجغرافي بالنسبة لـ “أنقرة”، غير مهم ما لم يحقق أكبر قدر ممكن من الأضرار في البنية السياسية والاقتصادية لـ “قسد”، من خلال فصل مناطق سيطرتها وتقسيمها إلى قطاعات محاصرة ومعزولة عن بعضها.
ويبدو أن “قسد”، باتت تدرك ضرورة التنسيق مع الجانب الروسي في محاولاتها للحد من التهديدات التركية لمناطق الشمال السوري بعد المواقف الأمريكية المتكررة بالتعامل ببرود وحياد مع الهجمات التركية السابقة التي حدثت في عفرين خلال العام 2018، وفي شمال الحسكة والرقة قبل عامين من الآن، وإن كانت قسد لا ترغب بتكرار الخسائر والانسحاب القسري من مناطق جديدة لصالح القوات التركية فقد كانت زيارة القيادية “إلهام أحمد” إلزامية إلى موسكو للبحث عن ضمانات حماية يبدو أن الروس قدموها وعكسوها على أرض الواقع من خلال عملية جوية استهدفت نقاطاً للفصائل المسلحة الموالية لأنقرة إلى الغرب من قرية “الدردارة” بريف الحسكة الغربي قبل أسبوع، والتي جاءت بعد استهداف متكرر للقرية وعدد آخر من النقاط الممتدة بين بلدتي “أبو راسين – تل تمر”؛ الأمر الذي فرض نوعاً من الهدوء وإلزاما للفصائل المسلحة لتوقف إطلاق النار باتجاه هذه المنطقة لما يقارب خمسة أيام قبل أن تعود مرة أخرى لاستهداف نقاط قسد فقط دون التوجه لضرب نقاط مدنية، وعليه فإن الذهاب نحو تثبيت وقف إطلاق النار المفترض العمل به منذ تشرين الأول من العام 2019 بعد العدوان التركي المعروف باسم “نبع السلام”، هو السيناريو الأقرب للشمال السوري، أما فيما يخص محافظة إدلب فالاحتمالات مفتوحة على معركة تهدف لتأمين الطريق الدولية “m4”.
إذا ما كانت الحكومة السورية وبدعم من حليفها الروسي تفكر بإنعاش الاقتصاد من خلال ربط مواقع الإنتاج والحدود بالمنافذ البحرية فإن الصفقة التي يتحدث عنها بعض محللي الميدان عبر قنوات إعلامية دولية غير منطقية الحدوث، ذلك لأن نتائج الصفقة تمنع تحقيق الهدف السوري، ولن يذهب الروس نحو مثل هذه الصفقة التي من شأنها أن تؤثر سلباً على الحكومة السورية، وعليه فإن المعركة التي قد يشنها الأتراك في شمالي الحسكة أو الرقة أو كليهما معاً، ستكون بالتزامن مع التحرك السوري باتجاه الطريق “m4″، بهدف إشغال الحكومتين السورية والروسية، ومحاولة من أنقرة لفرض وقف للعملية في إدلب مقابل التوقف عن مهاجمة “قسد”، وعليه سيكون “الجولاني” تحت حماية تركية وإن كانت أنقرة لا تعلن عن ذلك، وحتى مع عدم وجود تنسيق بينها وبين التنظيم المتشدد وفقاً لما هو ظاهر على الأقل.
محمود عبد اللطيف