خاص || أثر برس يحاول العشرات من السوريين يومياً الهروب من تركيا إلى أوروبا، جراء المضايقات التي يتعرضون لها وبحثاً عن الاستقرار والعمل الذي باتوا يفقدونه، فبعضهم يخسر حياتهم، وآخرون يحالفهم الحظ رغم الخسائر المادية، وآخرون يرحّلون إلى الشمال السوري، فلماذا يهاجر السوريون من تركيا؟ وما هي طرق الهجرة التي يسلكونها؟
الشاب علي عبد الفتاح (سوري مقيم في تركيا منذ عام 2014)، يقول لـ “أثر”: “المعاملة الحسنة عام 2014 من قبل الحكومة والشعب التركي، دفعت العديد من السوريين للجوء إلى تركيا وكذلك قربها من الشمال الذي دخلته التنظيمات المسلحة وخاصة داعش”.
لكن بعد عام 2015 المعاملة الحسنة من الأتراك اتجاه السوريين تغيرت إلى سيئة، وحصلت تغيّرات على خارطة توزع اللاجئين في تركيا، حيث هرب الكثير منهم من تحت قبضة السلطات التركية إلى اليونان ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وهذا ولّد هجرة ثانية للسوريين، ويضيف السوري علي: “إنّ تراجع الأوضاع الاقتصادية داخل تركيا، وعدم قدرة الحكومة التركية تقديم أيّ مساعدات فعلية لهم، وزيادة حدّة الخطاب العنصري ضدنا، جعل المئات يتجهون إلى أوروبا”.
وعند سؤال علي عن سبب عدم ذهابه إلى أوروبا، وبقائه في تركيا، قال: “العملية مكلفة مادياً، وما كنت أعمل به خلال السنوات الـ 10 لم يمكنني من ذلك، الوضع الاقتصادي في تركيا سيئ جداً، حاولت العمل بأكثر من شيء ولكن هناك قيود علينا كسوريين”.
وتلخص دراسة أصدرها مركز أبحاث «MENA» الذي يتخذ من النمسا مقراً له، أنّ هناك عوامل عدّة أدت إلى هجرة السوريين من تركيا بعد عام 2015، وهي العامل السياسي ومعركة الانتخابات التركية التي باتت تستغل مسألة عودة اللاجئين كوعود انتخابية ما كوّن مخاوف كبيرة لديهم، وهناك عامل آخر، وهو القيود التي فرضت على تحركاتهم بين الولايات، والتي حدّت من فرص العمل لديهم، إضافة إلى ذلك، هناك عوامل الخوف من الترحيل القسري، والوضع الاقتصادي المحلي.. وغيرها.
وبحسب بيانات حديثة صدرت مؤخراً، عن رئاسة الهجرة التركية أظهرت انخفاض أعداد اللاجئين السوريين في تركيا نهاية 2023، نحو 10%، مقارنة بعام 2022، حيث انخفض عدد الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) إلى 3 ملايين و226 ألفاً و141 شخصاً، بعدما كان العدد 3 ملايين و535 ألفاً و898 لاجئاً في أواخر العام 2022.
هجرات يحيطها الموت.. كيف يصل اللاجئون إلى اليونان؟
يحاول يومياً العشرات من اللاجئين السوريين الهروب من الأراضي التركية التي لجأوا إليها قبل 10 سنوات مضت، قاصدين الجزر اليونانية ومنها إلى القارة الأوروبية، سالكين مختلف الطرق والوسائل التي ربما يرون فيها مُنقذاً لهم، فمنهم من يعبرون (البر) الوعر، وآخرون يلجؤون لـ (البحر) الأكثر خطورة.
رحلة السوريين من تركيا إلى القارة الأوروبية، أفقدت العشرات حياتهم والمئات وجودهم في الأراضي التركية، وقد أعلن مسبقاً عن وفاة العشرات منهم، وترحيل المئات على خلفية ذلك.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر محلية في محافظة الرقة لـ”أثر”، أنّه خلال اليومين الماضيين، توفيّ شابان من محافظة الرقة ـ منطقة الحمرات، غرقاً في المياه بتركياً أثناء محاولتهما الهروب إلى الجزر اليونانية، ومن بينهم الشاب (ماهر الدرويش).
ويقول أحد اللاجئين ويدعى (حسين الهلال) من ريف حلب، بعد وصوله إلى اليونان: “منذ أكثر من عام وأنا أحاول الخروج من الأراضي التركية، رغم أنني موجود في تركيا منذ أكثر من 8 سنوات، ولكن الظروف تغيرت اليوم وأحوال السوريين باتت أكثر سوءاً”.
ويضيف حسين لـ “أثر”: “آخر محاولة هروب لي كانت منذ شهرين، ولكن تم إلقاء القبض عليّ من قبل عناصر خفر السواحل التركية، وتم إعادتي إلى مكان إقامتي بعد توقيفي لعدّة أيام، وبعدها تم إطلاق سراحي، ولكن تم فرض عقوبة تنبيه عليّ بالترحيل إلى سوريا”.
وبيّن أنّ فرض عقوبة التنبيه بالترحيل عليه، وضعته في مأزق كبير، لأنه في حال تم إلقاء القبض عليه مرة ثانية وهو يحاول الخروج إلى الاتحاد الأوروبي، سيتم ترحيله بشكل مطلق إلى سوريا، ولكن هذا أيضاً غير مريح خاصة وأن مناطق الترحيل التي يتم نقل السوريين من تركيا إليها غير آمنة وتخضع لسيطرة الفصائل المسلحة.
الظروف الصعبة التي يعيشها حسين ورفاقه ربما كانت قد جعلتهم يميلون إلى المغامرة، مهما كانت الأسباب، لكن نالوا مؤخراً بفرصتهم الذهبية ومغادرة البلاد برحلة سريعة ولكن تكلفتها كبيرة، حيث يقول لـ”أثر”: “عندما جزمنا أمرنا مرّة ثانية بالمغادرة لمواجهة مصرينا، التقينا مع شخص يوصلنا إلى جزيرة (ميتيليني) اليونانية، مقابل مبلغ مالي 5 آلاف دولار، ولم يكن أمامنا سوى هذا الخيار لأن الخروج بالقارب أصبح خطراً علينا وإن لم نصل فالمصير إما الموت أو الترحيل القسري”.
ماذا بعد الوصول إلى اليونان؟
استغرقت رحلة الشاب حسين وصديقه من الأراضي التركية إلى الجزيرة، بحسب ما رواه، نصف ساعة تقريباً وخلالها عبرا مسافة 40 كيلو متر تقريباً في البحر، ودخلوا بعدها إلى الأراضي اليونانية، وتم نقلهم من قبل قوى خفر السواحل اليونانية إلى مخيمات اللجوء في الجزيرة إلى جانب عشرات الآلاف من اللاجئين الآخرين من مختلف الدول.
وقال حسين: “منذ أن دخلنا المخيم، تم توزيعنا على مكان للإقامة فيه، وتسليمنا بعض الحاجات الضرورية للمبيت، وأصدر لنا بطاقة للتجوال داخل الجزيرة، كي لا يعترض أحد طريقنا، ولكن خلال هذه الفترة، غير مسموح لنا مغادرة الجزيرة”، لافتاً إلى أن هناك طريقين أمامهم لاستكمال رحلة اللجوء، الطريق الأول، هو البقاء في الجزيرة وانتظار جلسات المحاكمة الرسمية بحقهم، وقد يتم قبولهم كلاجئين ويحصلون على الإقامة وجواز السفر، أو يرفض ذلك، ولكن في حال رفض طلب اللجوء، يحق للاجئ تقديم الاعتراض على قرار المحكمة ثلاث مرات وإن لم يكسب حق اللجوء، يبقى مقيم داخل المخيم.
وبحسب حسين، من يحصل على الإقامة اليونانية، يبقى مسجل اسمه كلاجئ في اليونان ولا يمكن قبوله في أي دولة أوروبية أخرى، ولكن يحق له السفر إليها، إضافة إلى ذلك، يحق لمن يحمل الإقامة اليونانية من اللاجئين السفر لأكثر من 150 دولة غير الأوروبية، أمّا بالنسبة للجوء، يمكن أن يكون مفتوحاً لهم في دول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي كبريطانيا على سبيل المثال في حال تمكن اللاجئ من الوصول إلى هناك.
أمّا الطريق الثاني، يقول حسين: “هناك آخرون لا ينتظرون قرار المحكمة اليونانية أساساً، إذ يقومون باستكمال مسيرة الهروب من الأراضي اليونانية للوصول إلى دول أوروبية أخرى تكون مكاسب اللاجئ فيها أفضل، كألمانيا على سبيل المثال، ولكن هذه الرحلة تكلف الكثير، وربما تصل إلى حدود 7 آلاف دولار أيضاً”.
وبالتالي؛ تصل تكلفة الهروب من تركيا، للحصول على اللجوء في أوروبا الغربية إلى 12 ألف دولار تقريباً.
يشار إلى أن عدد اللاجئين السوريين ما يزال هو الأكبر على مستوى العالم بعد أفغانستان وأوكرانيا وفنزويلا، كما كان الحال خلال العقد الماضي، حيث تم تسجيل أكثر من 6.5 مليون لاجئ سوري في منتصف العام في 130 دولة، وهو أقل بقليل مما كان عليه في نهاية عام 2022، بحسب ما ذكره تقرير “اتجاهات منتصف العام” للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2023.
قصي المحمد