وسط غياب تام للحديث عن تطور المفاوضات السورية- التركية في معظم وسائل الإعلام، تهتم التحليلات في الصحف العربية والأجنبية بالحديث عن مآلات التصعيد الذي حصل مؤخراً بريف حلب الشمالي بين فصائل أنقرة و”هيئة تحرير الشام” بزعامة “أبو محمد الجولاني”، والذي انتهى بانسحاب “الهيئة” من عفرين، فيما تؤكد العديد من التسريبات والتحليلات أنه لا يمكن الاعتماد على هذه النتيجة باعتبار أن هناك مؤشرات تؤكد أن “الهيئة” أبقت عدد من مسلّحيها في الشمال السوري.
موقع “ميدل إيست أي” البريطاني نقل عن مصادر أمنية تركية في 19 تشرين الأول الجاري أن أنقرة ستستغل الحادثة لإعادة تنظيم “الجيش الوطني”، لافتة إلى أن كل المجموعات والمكونات التابعة لـ”الجيش الوطني” التابع لأنقرة ستُحل بموجب الخطة الجديدة، مؤكدة أن “جميع الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني ستنسحب من المناطق المدنية، وسيجري تشكيّل جيش نظامي بقيادة مركزية، ومن المستبعد دمج هيئة تحرير الشام داخل الجيش الوطني الحر؛ لأنها ليست جزءاً من الحسابات التركية”.
فيما نقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن الباحث التركي المختصّ في الشأنين السوري والعراقي، الأستاذ في جامعة “ألتينباش” سرهاد أركمين، أربعة سيناريوهات لمستقبل وضع شمال غرب سوريا بعد الاشتباكات الأخيرة التي حصلت، حيث قال: “الأول هو أن بعض مجموعات الجيش الوطني تشعر بأنها خُدعت وانهزمت أمام هيئة تحرير الشام، وبالتالي بدء اشتباكات جديدة معها، والاحتمال الثاني هو أن يتم تغيير اسم الهيئة، وبنيتها وإشراك مجموعات من الجيش الوطني فيها، والسيطرة على كل المناطق التابعة لتركيا، والثالث ظهور إدلب موسّعة، بحيث لا تكتفي روسيا وسوريا بالتوسّع في القرى الإدلبية، بل تقترب من مركز المدينة نتيجة وجود هيئة تحرير الشام، أما الاحتمال الرابع فهو مزيج من الاحتمالات الثلاثة، وهو بدء روسيا بضرب تحرير الشام والفصائل الأخرى التابعة للجيش الوطني”، فيما خلّص الباحث إلى أن “مجمل تطورات الوضع في شمال غرب سوريا، يفترض تعزيز الدفع إلى التعاون بين دمشق وأنقرة لإنهاء الوضع هناك، وربما تكون لحظة شعور هيئة تحرير الشام بأنها وصلت إلى ذروة قوتها هي لحظة انهيارها ونقطة التحوّل نحو الاستقرار في سوريا، ومن المتوقع أن تتّضح الأمور خلال أربعة أشهر تقريباً لمعرفة أيّ السيناريوهات سيكون هو المتحقَّق”، وفقاً لما نقلته “الأخبار”.
وكذلك صحيفة “العرب” ربطت بين مآلات التوترات الأخيرة والتقارب السوري- التركي، حيث قالت: ” خططت السلطات التركية لدمج فصائل الجيش الوطني الحر الموالي لها شمال سوريا ضمن جيش موحد وتحت قيادة مركزية، بهدف إنهاء حالة الفصائلية التي تتسبب في تكرر حالات الاقتتال الداخلية، ما يساعدها على ضبط التمرد وتسهيل مساعيها للتطبيع مع دمشق”، ونقلت عن المحلل السياسي حسن النيفي قوله: “لا بد من النظر إلى هذه المسألة من زاوية الاستدارة التركية باتجاه التطبيع مع الحكومة السورية، ذلك لأن أي تقارب أو أي مشروع مصالحة أو تطبيع مع دمشق يستوجب من الجانب التركي إعادة النظر في الحالة الفصائلية أو في مجمل ما يسمى بـ”الجيش الوطني الحر”، الذي ترعاه وتصرف عليه الحكومة التركية”.
وأضافت “العرب”: أنه “يؤكد محللون أن تركيا تريد إحكام قبضتها على شمال سوريا وإظهار بعض الاستقرار فيه، ومن ثم تحقيق المصالحة وإن كانت هشة، بين دمشق ومعارضتها، إلى جانب حلحلة ملف اللاجئين السوريين في تركيا وإعادتهم إلى شمال سوريا، مما يعزز فرص حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، وكذلك تبييض صفحة الحكومة التركية من سجل الانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبتها فصائل الجيش الوطني الحر، كما يقول محللون: إنه ما كان لهيئة تحرير الشام التقدّم في مناطق سيطرة الفصائل لولا الضوء الأخضر التركي، لتتدارك أنقرة فيما بعد حساباتها وتفضل توحيد الفصائل الموالية لها عوض تهميشها لصالح هيئة تحرير الشام خدمة لحساباتها الإقليمية والدولية”.
يُشار إلى أن الاشتباكات الأخيرة التي حصلت بريف حلب الشمالي، تسببت بتضرر ما يقارب 20 مخيماً نظامياً وغير نظامي، حيث تعيش 1700 عائلة في شمال غرب حلب، كما أودت بحياة ما لا يقل عن ثمانية من سكان المخيم، بينهم امرأتان وطفلان، وأصيب 47 بجروح، بينهم 11 طفلاً خلال الاشتباكات.