أثارت تركيا مؤخراً بشكل مباشر أو غير مباشر العديد من الملفات في سوريا، دون أن تشهد هذه الملفات أي تطورات عمليّة أو جديّة، فيما بقيت في إطار التحليل والتصريحات الإعلامية وفي غالب الأحيان تكون متناقضة، ولا تحمل أي توضيح حول ما ستؤول إليه هذه الأمور أو حول مدى جديّة هذه الخطوات التركيّة.
وفي هذا السياق، أشار محمد علي جولر في مقال نشرته صحيفة “جمهورييات” التركيّة إلى أن “السلطة في تركيا تمارس سياسات مزدوجة ومتناقضة، فتارةً تقول: إنها ستموّل بقاء اللاجئين السوريين في أراضيها، وتارةً تقول: إنها سترحلّهم ولكن ليس إلى أمكنة إقامتهم الأصلية بل إلى مدن من الطوب تقيمها لهم ليعيشوا فيها، وبالتالي فهي تستخدمهم ورقة تبعاً لمصالحها”, وبخصوص ملف إعادة تشكيّل فصائلها في الشمال السوري واحتمال دمجها مع “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وحلفائها)” بزعامة “أبو محمد الجولاني”, قالت الصحيفة: “إن الحديث عن توحيد الفصائل يأتي في وقتٍ كان يُفترض فيه أن أنقرة تَحلّ الجيش الحر، وتبدأ تطبيع العلاقات مع دمشق، لأن إنشاء جيش نظامي مستقلّ يعني إقامة دولة مستقلّة، ولا يمكن بإنشاء هذا الجيش تطبيع العلاقات مع سوريا، ما يشير إلى أن هذا القرار هدفه تخريب احتمال التطبيع مع سوريا، وهو تتويج لحلم 11 عاماً بإنشاء تركيا جيشاً ثانياً في المناطق التي تسيطر عليها”, مضيفةً:إن “أردوغان لم يتخلَّ عن أوهامه في إنشاء بُنية سفلية تحت مظلّة النظام العالمي الذي تقوده أمريكا، يكون فيه المنتدَب للأخيرة في سوريا”، معتبراً أن “تطبيع العلاقات مع دمشق، هو مثل أيّ مسألة أخرى، قضية تتعلّق بتغيير النظام التركي قبل كلّ شيء”.
كما نشرت صحيفة “آيدنليك” التركيّة مقالاً حول مدى جديّة التقارب التركي- السوري، أشارت فيه إلى أن “أردوغان لا يملك أيّ خطط واضحة ومحدَّدة لتحسين العلاقات مع دمشق، على الأقلّ قبل الانتخابات الرئاسية التركيّة في حزيران 2023، وهذه من الأسباب التي تجعل دمشق تقارب بحذر شديد التصريحات التركيّة بشأن التطبيع معها”, مضيفةً: إنه “في حال أوقفت تركيا محاولاتها لتحسين العلاقات مع سوريا، فسيمنح هذا حلف شمال الأطلسي ورقة في الصراع مع روسيا وخصومه في المنطقة”، معتبرةً أنه “إذا كانت تركيا جادّة في الانفتاح على الشرق وعلى سوريا، فعليها القيام بخطوات جريئة وأكثر حزماً”.
فيما لفت الخبير السياسي الروسي فيكتور ميخين، في مقالٍ نشرته صحيفة “نيو إيستر أوتلوك” الروسيّة والناطقة بالإنكليزيّة إلى أن “أردوغان يقامر بكل شيء للبقاء في الرئاسة 5 سنوات أخرى، في إشارة إلى إعلان الرئيس التركي أنه يمكن أن يجتمع مع الرئيس بشار الأسد وذلك عندما يحين الوقت”، موضحاً أن الانتخابات دفعت الرئيس التركي إلى التفكير بطريقة عمليّة، والابتعاد عن السياسة التي التزم بها لأكثر من عقد تجاه دمشق”, مشيرةً إلى أن “أردوغان يحتاج إلى زيادة شعبيته، فيما يمثّل ملف اللاجئين السوريين ببلاده عائقاً أمام ذلك، ويُعتقد أن العلاقات الجديدة بين أنقرة ودمشق ستفتح الباب أمام عودة اللاجئين إلى شمال سوريا, حيث مناطق سيطرة تركيا، ويتطلب إنشاء مناطق سكنية تسمى بـ “المنطقة الآمنة” في شمالي سوريا, للحماية من أي تصعيد عسكري يجبر اللاجئين على العودة إلى تركيا مجددا؛ لذا “تعتقد أنقرة أن تحسن الوضع الدولي للنظام السوري سيعني إنهاء المواجهة العسكريّة بين أنقرة ودمشق”.
تأتي هذه التناقضات في الوقت الذي يحضّر فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للانتخابات الرئاسية المقبلة، محاولاً الاستفادة من كافة الملفات الدولية والمحلية، مستغلاً الظروف الدوليّة ومحاولات القوى العظمى بجذب تركيا نحوها نظراً لموقعها الاستراتيجي، حيث تشير معظم التحليلات إلى أن أردوغان قرر مؤخراً اتباع سياسة “صفر مشاكل”، وفي هذا الصدد سبق أن أشارت صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسيّة إلى أنه “منذ بداية الصراع في أوكرانيا، نما وزن تركيا الجيوسياسي بشكل كبير، وسهل ذلك الدور المركزي لهذا البلد في منطقة البحرالأسود ومحاولات الحفاظ على العلاقات مع كل من موسكو وكييف، بالإضافة إلى تقديم أنقرة نفسها وسيطاً”.