خاص|| أثر برس طلب وزير الإدارة المحلية والبيئة المهندس حسين مخلوف يوم أمس الخميس، بتوجيه من رئاسة مجلس الوزراء، جميع المحافظين بالتدقيق في ظاهرة بيع الطاقة الكهربائية المولدة بوساطة “الأمبيرات”، وإحالة المخالفين إلى القضاء المختص لفرض أشد العقوبات بحقهم وفق القوانين والأنظمة النافذة.
ولاقى توجيه الإدارة المحلية (1575)الصادر بتاريخ 22 حزيران 2023، استهجاناً كبيراً في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أنّه يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من نقص حاد في إنتاج الطاقة الكهربائية من محطات التوليد التابعة لوزارة الكهرباء، وكذلك ما تزال الكميات المولدة من الطاقات المتجددة خجولة مقارنة بالطلب اليومي المتزايد لمختلف القطاعات (المنزلية والتجارية، والصناعية، والسياحية.. إلخ) على الطاقة الكهربائية.
غير قانونية.. لكن هل يمكن منعها؟
يرى الخبراء، أنّ ظاهرة الأمبيرات فعلياً هي ظاهرة غير قانونية ولا يوجد إطار تشريعي ناظم لها في البلاد، ولدت في سنوات الحرب في سوريا، وجاءت حلاً لتأمين الكهرباء لعدد كبير من المناطق في عدد من المحافظات نتيجة تراجع إنتاجية قطاع الكهرباء على خلفية الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكات الكهرباء ومحطات التوليد.
وأردف الخبراء،: “وبسبب استمرار تراجع إنتاج البلاد من الكهرباء نتيجة نقص حوامل الطاقة، حاولت الحكومة صرف النظر عنها في السنوات الماضية، كما وتمت محاولة تنظيمها مؤخراً في محافظة دمشق رسمياً، وشرع العمل بها مجدداً بمستوى كبير في ريف دمشق”.
وأضاف الخبراء: “توجيه الحكومة في إطاره العام هو قانوني، لكن يتطلب إجابة عن تساؤلات عدّة، فهل الحكومة اليوم قادرة فعلياً على إيقاف هذه الظاهرة؟ وما هي تداعياتها في حال تم إيقافها؟ وما الحلول البديلة التي يمكن تقديمها لمن يعتمدون الأمبيرات حالياً؟”.
مدير في الكهرباء: من الصعب تطبيقه
تعليقاً على التوجيه الذي أصدرته الحكومة، أبدى مدير في وزارة الكهرباء تفاجؤه في ذلك، مبيناً أنّ هذا التعميم بهذه الصيغة من الصعب تطبيقه في ظل الظروف الحالية وفي كل البلاد، موضحاً في حديثه لـ”أثر” أنّه في الآونة الماضية كانت البلديات تأخذ رسوماً من أصحاب المولدات مقابل إشغال أماكن عامة مثل الحدائق والأرصفة وغيرها، لافتاً إلى أنّ وبنفس الوقت كانت بعض الدوائر الحكومية في المناطق التي لا يوجد فيها كهرباء كانت تُنار مجاناً من المولدات (أي بالأمبيرات) مقابل السماح بتشغيلها”. ويتفق مع المدير، أحد أصحاب المولدات في محافظة حلب، الذي أكّد لـ “أثر” أنّه يملك مولدة مرخصة أصولاً من المحافظة منذ سنوات”.
وأضاف المدير: “هناك شرائح كبيرة من الناس أو من أصحاب الورش الصغيرة أو حتى المحال التجارية، عودت حياتها وأمورها اليومية الأمبيرات حالياً بسبب انخفاض ساعات التغذية الكهربائية، ولا يمكن لها الاستغناء عنها في هذا الوقت، في حال تم إيقافها برأيه، لا يمكن لهذه الفعاليات أنّ تؤمن طاقة كهربائية في ظل التغذية الحكومية الآنية، وبالتالي هذا سيؤثر في إنتاج تلك الورش”.
وأردف المدير: “هناك تكاليف كبيرة أنفقت لتركيب قواطع عيارية وعدادات ومد شبكات الكهرباء لإيصال الأمبيرات إلى المنازل في المناطق المركبة فيها الآن أو التي تشرع للتركيب”، لافتاً إلى أنّ المسألة اليوم باتت مطلباً شعبياً لعدم توفر كهرباء ولا يمكن لكل عائلة تركيب مولدة بنفسها، ناهيك عن صعوبة توفير المحروقات اللازمة لتشغيل كل منهم مولدته على حدة.
المسألة باتت أمراً واقعاً وإيقافها يحتاج إلى توفير بديل
في سياق متصل، رأى أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري معلقاً على المسألة: “الأمبيرات موجودة في سوريا منذ سنوات في عدد من المحافظات، وأقدمها حلب وتمددت إلى حماة واللاذقية، وأخيراً سمح بها في العاصمة دمشق في بعض المناطق وسط المدينة”، مضيفاً: “لا شك أن الأمبيرات مرهقة ومكلفة للناس وتستهلك قسماً كبيراً من الدخل وتزيد في التضخم، وبالمقابل هذه المسألة باتت أمراً واقعاً وإيقافها يحتاج إلى قرارات حكومية عالية المستويات مقابل توفير بديل لها”.
ورأى الدكتور حزوري أن موضوع الأمبيرات يحتاج فعلياً إلى تنظيم مؤقت للظاهرة بمستوى المحافظات جميعها، من حيث طريقة الترخيص والأهم طريقة التسعير، فمن المفترض اعتماد البيع حسب الاستهلاك وبالكيلو واط ساعي، وليس حسب عدد الأمبيرات المشترك فيها، التي فيها ظلم كبير للمستهلك.
وأردف: “ولكن الأهم من ذلك في ظل نقص الطاقة الكهربائية على الحكومة تشجيع الناس والفعاليات التجارية والمهنية على تركيب منظومات طاقة متجددة (شمسية) بتخفيض الرسوم الجمركية على مستلزمات الطاقة الشمسية لتصبح 1% على جميع مكونات الطاقة، مع التشدد في مراقبة الجودة والمواصفات”.
وحول مدى قدرة الحكومة على إيقاف ظاهرة الأمبيرات في البلاد، رأى الدكتور حزوري، أنّ “المسألة لا يمكن الجزم أنها مستحيلة، ولكن هل تملك الحكومة البديل، كما أن قسماً كبيراً من مالكي مولدات الأمبيرات من المتنفذين وهم شركاء في الباطن”، لذلك وفق رأيه، “سيسعون لممارسة كل نفوذهم لمنع تنفيذ أي قرار لا يخدم مصالحهم وأرباحهم”.
رأي (أصحاب الأمبيرات)
في محافظة حلب وحدها يوجد أكثر من 2000 مولدة تعمل في مجال بيع الأمبيرات، نسبة كبيرة منها مرخصة أصولاً من المحافظة، ناهيك عن انتشارها الجديد في عدد من مناطق محافظة ريف دمشق كـ “صحنايا وأشرفية صحنايا.. وغيرها من مناطق الغوطة الشرقية”، ويبلغ حالياً اشتراك الأمبير أسبوعياً ما بين (50- 60 ألفاً) أسبوعياً، بينما يباع في ريف دمشق الكيلو واط بنحو 5800 ليرة سورية.
ويرى أحد أصحاب المولدات في حديث لــ”أثر”، أنّ إيقاف الأمبيرات على الرغم من الخسائر الكبيرة التي ستقع عليهم بوصفهم مالكين لها، لكن ستكون لها تداعيات كبيرة على المواطنين لأنها باتت مسألة أساسية لهم لتأمين مستلزمات حياتهم اليومية” مضيفاً “لولا الأمبيرات حالياً، لما كانت كثير من المناطق منارة ليلاً”.
قصي المحمد