رسائل عسكرية واقتصادية وأمنية تقدمها جماعة “أنصار الله” في اليمن دفعة واحدة بصورة من شأنها تأكيد ما يدور في ذهن القيادة في المملكة السعودية بعدم وجود نتائج فعلية لها في تلك الحرب ودفعاً للإسراع باتخاذ قرار إيقافها، في ظل تشابك مصالح القوات المشاركة فيها.
بصورة بعيدة عن المنطق العسكري وتناسب القدرات العسكرية وبوجه أكبر مستورد للسلاح في العالم أعلن الناطق باسم القوّات المسلّحة اليمنية يحيى السريع، يوم أمس أنّ “أنصار الله” أسرت فصيلاً كاملاً من الجيش السعودي واغتنمت مئات الآليات والمدرعات، وحررت مئات الكيلومترات طولاً وعرضاً في هجوم نوعي شامل حمل اسم “نصر من الله” شنّته في محور نجران، في ظل غياب أي تصريحات سعودية حول الموضوع.
هذه الضربة العسكرية جاءت بعد أيام من ضربات “أرامكو” التي أحدثت خضة قوية في الاقتصاد السعودي وخفضت انتاج النفط السعودي إلى حوالي خمسة ملايين برميل يومياً، إلّا أنه وخلال الأيام الفاصلة بين الضربتين أعلنت حركة “أنصار الله” وقفاً لإطلاق النّار من جانب واحد، لتهيئة الأجواء المُلائمة للقِيادة السعوديّة للتّراجع، والجُلوس إلى طاولة المُفاوضات لإنهاء هذه الحرب، لكن المملكة استمرت بغاراتها الجوية لحفظ ماء وجهها وكي لا تظهر بموقع المستسلم، وأدت تلك الغارات إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين جلهم من الأطفال.
مما لا شك فيه بأن التصعيد الذي تقوم به حركة “أنصار الله” يستند إلى استنتاجات باتت ظاهرة بأن السعودية تدرس بشكل جدي إيقاف تلك الحرب المنهكة لها بشرياً ومادياً وهو ما يدفع “أنصار الله” للقيام بمثل هذه الضربات التي من شأنها أن تسرع اتخاذ قرار إيقاف الحرب، وكانت شبكة “بلومبيرغ” الأمريكية قد نشرت تسريبات عن احتِمال قُبول السلطات الرسمية في الرياض بوقف جزئي لإطلاق النّار ما يؤكد أنّ هناك قناعة سعودية تتبلور بقوة، بحتمية إنهاء الحرب اليمنيّة لوضع حد لهذا الاستنزاف المادي والبشري المكلِف جداً.
أمريكا والإمارات أيضاً تريدان إيقاف الحرب ولكن…
وبالتوازي مع ما توصلت إليه السعودية، فإن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توصلت هي الأخرى إلى الاستنتاج نفسه في ظل اقتراب الانتخابات الأمريكية ومساعي ترامب للحفاظ على المشهد الاقتصادي الحالي ريثما ينجح في حملته المقبلة، وهو ما أكده رئيس الوزراء الباكستاني عندما أعلن أثناء تواجده في نيويورك للمُشاركة في اجتماعات الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة أنّ ابن سلمان وترامب طلبا منه التوسّط مع إيران في مِلفّاتٍ عديدةٍ من بينها حرب اليمـن، لكن الخطة الأمريكية لن تأتي دون حسابات تخرجها بأكبر قدر ممكن من المكاسب وهو ما ينطبق على الخطة الإماراتية أيضاً وإن لم تصب في نفس الخانة.
الولايات المتحدة تستند في شروطها داخل اليمن على أهداف تخدم استراتيجيتها في محاربة إيران، في حين تعتمد الإمارات على مصالحها في توسيع هيمنتها والسيطرة على المنافذ البحرية الأساسية في المنطقة.
وفيما يخص الولايات المتحدة نقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادر لم تسمها بأن المقترح الأساسي الذي حمله الموفدون الأمريكيون إلى السعودية، غداة هجوم أنصار الله على مواقع في شركة أرامكو، استند إلى تقييم للعملية العسكرية النوعية، لجهة أن اتهام إيران بالمسؤولية لا يكفي لإقفال الملف، لأن التنفيذ لم يتم من قبل إيران حتى ولو كانت الأسلحة إيرانية، وأن قيام “أنصار الله” بالتنفيذ ولو بدعم من مستشارين إيرانيين، يعني أن وقف هذا النوع من العمليات يتطلب إما تغييراً في الاستراتيجية السياسية أو شن حرب واسعة.
وأضاف المصدر أنه وفق آلية العمل المباشرة التي يعتمدها فريق الرئيس دونالد ترامب، فهم السعوديون وكذلك دولة الإمارات، أن واشنطن لا تدعم تصعيداً بالعمليات العسكرية في ظل غياب ضمانة الفوز أو تعديل جوهري في ميزان القوى، وأن الولايات المتحدة سوف تساعد في تعزيز القدرات الدفاعية للسعودية، لكنها تدعم الانتقال إلى استراتيجية جديدة عنوانها سحب الورقة اليمنية من يد إيران وهو ما رفضه أنصار الله لمعرفتهم بالعواقب التي ستتبع ذلك، خصوصاً في ظل الصورة التي باتت معروفة عن الولايات المتحدة بأنه لا مشكلة لديها بالتخلي عن حلفائها عندما يتعلق الموضوع بمصالحها.
أما فيما يخص الموضوع الإماراتي فقد تحدثت العديد من التقارير بأن ما تريده الإمارات من اليمن هو منطقة عدن المشرفة على مضيق البحر الأحمر وتشير التطورات الميدانية الأخيرة التي قامت خلالها الإمارات بسحب قواتها من الساحل الغربي، ثم عمدت إلى تفكيك منظومة صواريخ باتريوت في مأرب، قبل أن تطلب من جماعتها في الجنوب إطلاق عملية السيطرة الشاملة على عدن ومناطق جنوبية أخرى، وهو الأمر الذي أظهر بذور الخلاف السعودي-الإماراتي والذي سعت الولايات المتحدة إلى إصلاحه، إذ أن الإمارات تسعى إلى الحصول على حالة من الهيمنة في المنطقة من خلال الإشراف على المضائق البحرية الاستراتيجية وإن كان ضمن خطة سياسية قد تنتهي بتقسيم اليمن وهو ما لا نستبعد أن يكون بمطالب أمريكية.
وكانت قد نشرت قناة “الميادين” أول أمس شريطاً مصوراً يظهر قيام سفن إماراتية بنقل مقاتلين يتبعون لها على الساحل الغربي بالقرب من عدن.
وهو ما يؤكد محاولات الإمارات للحفاظ على خطتها في عدن التي تظن بأنها ستجعل منه دولة ذات رأي في المنطقة، السلوك الإماراتي هذا قد يحتاج إلى ضربه مشابهة لضربة أرامكو كي تدرك القيادة الإماراتية بأن عليها تغير وجهة نظرها تجاه موضوع اليمن وهو ما أشار إليه اليمنيون في وقت سابق، في حين قد تتنازل إدارة ترامب عن العديد من استراتيجياتها مع اقتراب موعد الانتخابات خصوصاً وأن ترامب يتطلع للحصول على جائزة نوبل للسلام من خلال ادعاءاته بإنهاء تلك الحرب.
وعليه يبدو بأن الحرب اليمنية باتت بآخر مراحلها لتعلم العالم أجمع بأن إرادة عدم الرضوخ أقوى من مليارات الدولارات التي تنفقها السعودية والإمارات في تلك الحرب التي أودت بحياة آلاف الأطفال ولم يكسب منها سوى أصحاب مصانع السلاح في أوروبا وأمريكا.
رضا توتنجي