“الآن، يحين موعد الإفطار حسب توقيت مدينة دمشق”
عبارة طالما رُدّدت على مسامعنا بصوت: علاء الدين أيوبي
لا أعتقد أن هناك سوريٌ واحد لا يعرف هذه اللحظات
لا أعتقد أن هناك سوريٌ واحد، لم يجلس ليشاهد برنامج المسابقات الوحيد
الذي طالما تغنت به قنواتنا السورية فور انتهاء فترة اللإفطار
….
“قرّب عالناعم”
صيحات رددها الرجل الخمسيني الذي ترقب شهر رمضان الفضيل
ليمارس مهنته المؤقتة، أو ربما هوايته المفضّلة!
الغريب في الأمر
أن هذا الطبق يأبى مرافقتنا إلا في هذا الشهر المبارك
….
مقابل العم أبو عاطف، كان يجلس طفلٌ في التاسعة من عمره
يبتاع طبق “المعروك”، متفنناً بأشكاله
واحدة محشوة بالعجوة، والآخرى بجوز الهند
والثالثة توصف بأنها “سادة”، الأرخص ثمناً من غيرها!
….
في هذا الشهر تحديداً، لم يكن يختلف طعام الفقير عن الغني
كلاهما يأكلان الناعم والمعروك
كلاهما يأكلان الفتوش والفول
كلاهما يشربان “التمر الهندي، والعرق سوس”
….
في هذا الشهر تحديداً، نداء “الله أكبر”
كان يوحد السوريون جميعاً
بعيداً عن أي انتماء أو طائفة
الخالة أم أحمد، تطرق الباب على جارتها أم حسين
لتعطيها بضعاً من طبقها المطهو
المعروف بمصطلح “سكبة”
….
كنّا وكانوا
على متن قارب
شراعنا واحد
انتماؤنا واحد
وجهتنا واحدة
ولكن، ربما نسينا أن نسقي الياسمين
فأضحت ذكرياتنا ماضي!
ماضي مؤلم حقاً!
حتى مذيعنا الأيوبي، صديق مائدتنا الرمضانية
توفي منذ عامين
حتى مسلسلاتنا، باتت ساحة معركة
رصاص، قتل، تفجيرات
حتى باب الحارة فارق روحه
مع مفارقة مكانه الذي انطلق منه
“القرية الشامية” التي غدت ميدان حرب ورصاص!
….
لم يعد بيع الناعم هواية كما كان
وإنما تجارة! يتنافس خلالها البائعين
على سعر الطبق الواحد!
حتى “المعروك” بات له ثلاثين شكل وطعم
….
لم تعد أم أحمد تطرق الباب على أم حسين
فـ “السكبة” باتت باهضة الثمن
كل شيء تغيّر
حتى رمضان، لم يعد شهر كريم
….
كنا وكانوا
بناة أرض، ورفاق!
صرنا وصاروا
رواد حرب، ونفاق!
بين الحين والماضي، فارق زمني فقط، فقط …
…………………….
هامش:
عندما يصدح الأذان من الجامع الأموي
لترافقه أجراس الكنيسة المريمية ..
سيحين موعد الإفطار، حسب توقيت مدينة الياسمين
مدينة دمشق “عليها السلام”.
خاص| أثر برس