خاص || أثر برس ترنو عيون أبناء مدينة حلب إلى ريفها الشرقي، حيث تتموضع المحطة الحرارية على بعد مسافة نحو 30 كيلو متراً عن وسط المدينة، وسط أمل وترقب كبيرين من قبل الحلبيين لما ستحمله عودة إقلاع الحرارية وانعكاسات تلك العودة على الواقع الكهربائي في مدينتهم.
فبعد ثلاثة وعود لم تبصر طريقها إلى التنفيذ، أعادت وزارة الكهرباء عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إحياء آمال الحلبيين بعودة قريبة لمحطتهم الحرارية، من خلالها نشر صور لعمال الكهرباء أثناء قيامهم باستكمال تأهيل ساحة التحويل في المحطة، وانتهائهم من تركيب “البارات” وقواطع السكاكين اللازمة، وهي الخطوات التي تعتبر بمثابة وضع اللمسات الأخيرة قبل إعلان انتهاء إعادة تأهيل المحطة.
الفترة الأخيرة حملت معها حالة من اليأس لدى الحلبيين من رؤية “حرارية حلب” تعود إلى العمل، وخاصة بعد أن كانت أولى الوعود الحكومية تتحدث عن إقلاع العنفة الخامسة في المحطة قبل نهاية العام الماضي، الأمر الذي لم يحدث، وتلاه بعد ذلك وعدٌ آخر بأن يكون موعد الإقلاع مطلع العام الجاري، الأمر الذي لم يتحقق أيضاً، فيما تمثّل الوعد الثالث بحسب التصريحات الإعلامية من قبل المعنيين في وزارة الكهرباء بأن تُقلع العنفة خلال العام الجاري وتحديداً خلال الربع الأول، الذي انقضى دون أن يحمل معه أي مستجدات تُذكر.
وجاء الإعلان الأخير الذي نشرته الوزارة على صفحتها يوم أمس الأول، بمثابة إعادة إحياء لآمال الحلبيين وتطلعاتهم إلى تحقيق عودة ولو مقبولة للكهرباء إلى مدينتهم، التي ما تزال تعاني تقنيناً كهربائياً جائراً لربما هو الأقسى بين المحافظات السورية، إذ لا تحصل المدينة إلا على ما بين ثلاث إلى أربع ساعات من التغذية يومياً، تزامناً مع عدم استقرار موعد تلك الساعات أصلاً، باستثناء يومي الجمعة والسبت اللذين تعيش خلالهما المدينة ضمن برنامج تغذية شبه منتظم يتمثل بسبع ساعات من القطع مقابل ساعتي وصل، بفعل قطع التغذية المخصصة للمناطق الصناعية، وتحويلها إلى الأحياء السكنية.
كما يحمل التفاؤل بعودة إقلاع المحطة الحرارية في طياته، بالنسبة للحلبيين، خلاصاً جزئياً من ظاهرة “الأمبيرات” وتكاليفها القاصمة للظهور، وخاصة أن زيادة ساعات التغذية للمدينة ووجود برنامج تقنين منتظم مطبقٍ فيها، من شأنه تقليل الرسوم الأسبوعية التي يدفعها المواطنون لأصحاب المولدات، والتي ووفق ما رصده مراسل “أثر” في حلب خلال الأسبوع الجاري، باتت تتراوح ما بين 11 ألفاً و18 ألف ليرة سورية للأمبير الواحد.
المفارقة أن رياح عودة حرارية حلب قد لا تجري وفق ما تشتهيه سفن الحلبيين وآمالهم، في ظل عدة تصريحات سابقة أطلقها معنيون في وزارة الكهرباء لوسائل إعلامية محلية، بأن ما ستنتجه المحطة الحرارية، أو بالأحرى العنفة الوحيدة التي ستعود للخدمة فيها، لن يكون مخصصاً فقط لمدينة حلب كما كان يعتقد أبناء المدينة، وإنما سيتم وصلها حال عودة إقلاعها بالشبكة الكهربائية العامة السورية، على أن تتم بعد ذلك عملية توزيع الكميات الصادرة عن المحطة على كل المحافظات.
وما بين الأمل والواقع، يبقى الحلبيون متمسكين بحلم تحسن واقع مدينتهم الكهربائي، والذي مر بالعديد من المطبات والصعوبات التي أرهقتهم منذ بداية الأحداث في المحافظة، وجعلتهم يحفرون أسماء محطات وخطوط التوتر المغذية لمدينتهم عميقاً في عقولهم وذاكرتهم، بدءاً من خط “الزربة- 230” الشهير، مروراً بخط 66 ك.ف المغذي للخطوط الأمنية والمستشفيات، ومحطة تحويل “حلب F”، ومحطة حلب الحرارية، وصولاً إلى خط خناصر 400 ك.ف الذي تم إنشاؤه بعد مخاض عسير استمر لأشهر طويلة.
وكانت قد تعرضت المحطة الحرارية في حلب للعديد من المطبات والظروف الصعبة خلال فترة الحرب في محافظة حلب، حيث تم احتلالها بداية من قبل المجموعات المسلحة المتطرفة على اختلاف مسمياتها بما فيها تنظيم “جبهة النصرة”، ليتولى تنظيم “داعش” السيطرة عليها فيما بعد ويحولها إلى مقر رئيسي يتضمن سجناً تابعاً له في ريف حلب الشرقي، ويستخدم مسألة تشغيلها وتوقيفها على مدار عدة سنوات، كورقة رابحة ضد الدولة السورية، قبل أن يتمكن الجيش السوري من تحريرها واستعادتها من يد “داعش” منتصف عام 2016.
وتعرضت المحطة قبل انسحاب مسلحي “داعش” منها لأعمال سرقة ممنهجة استهدفت كافة محتوياتها وتجهيزاتها، وأبقتها على الهيكل فقط، لتبدأ حينها رحلة البحث عن تعاقدات مناسبة من قبل الحكومة السورية مع الدول الصديقة، لإنجاز عمليات تأهيل إحدى العنفات الخمس التي تحتويها المحطة، الأمر الذي أبصر النور قبل نحو عامين من الزمن.
زاهر طحان – حلب