خاص || أثر برس وجد العديد من الباحثين عن العمل ضالّتهم، عبر ابتكار مهنة جديدة تؤّمن لهم لقمة العيش، ولو بشكل مؤقت، مستوحين تلك المهنة من الأزمات المعيشية المتتالية التي تعيشها مدينة حلب وخاصة على صعيد أزمة الغاز.
فمن وحي أزمة الغاز الأخيرة في مدينة حلب والازدحام على دور توزيع الأسطوانات في عموم أحياء المدينة، لجأ عدد من الشبان والسيدات وكبار السن إلى المهنة الجديدة التي تمثلت في حجز الدور على طابور الغاز وبيعه للراغبين باختصار الوقت وعدم الانتظار مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 1000 و2000 ليرة سورية.
وجذبت المهنة الجديدة أعداداً كبيرة من المواطنين الباحثين عن عمل، وخاصة أنها لا تحتاج إلى أي رأسمال أو معدات أو تجهيزات باستثناء ما يتيسر لهم من بقايا ومخلفات مرمية على الطرقات، يتم من خلالها حجز الدور.
آلية العمل في المهنة الجديدة، تعتمد على مراقبة جدول توزيع الغاز على الأحياء السكنية، الذي يتم نشره من قبل مديرية المحروقات ليلاً، ليسارع بعدها المشتغلون في المهنة “حاجزوا الدور”، إلى النزول من منازلهم في وقت متأخر من الليل وخاصة ما بين الساعة الواحدة والثالثة فجراً، والتوجه إلى أماكن الدور المعتادة في أحياء مختلفة من المدينة.
الخطوة الثانية من العمل لا تحتاج سوى إلى شيء ما يتم عبره حجز الدور، سواء حجر كبير من الشارع، برميل صغير، “تنكة” زيت فارغة، لوح خشب، أو أسطوانة غاز فارغة، وبعد حجزهم للدور، يجلس المشتغلون على الأرصفة إلى حلول الصباح لاستقبال الوافدين إلى الدور بهدف استبدال أسطواناتهم، وبالتالي عرض الدور الذي يحجزونه للبيع.
وتتباين تسعيرة دور الغاز “المحجوز”، حسب ما رصده “أثر برس” تبعاً لموقعه ورقمه على الطابور، فالدور المتقدم يباع بمبلغ 2000 ليرة سورية، وكلما كان الدور متأخراً أكثر تقل قيمته وصولاً إلى 1000 ليرة على ألا يتجاوز ترتيبه المئة، كما يلعب الحي ونوعية القاطنين دوراً في تسعير الدور، حيث تختلف الأسعار ما بين حي وآخر حسب مستوى الطبقة “المالية” التي تغلب على قاطنيه ودرجة رقيّه، فيما يتركز نشاط ممتهني “حجز الدور” على الأحياء الراقية بالدرجة الأولى، والمتوسطة ثانياً في بعض الأحيان.
واختلفت آراء المواطنين الذي استقصى “أثر برس” آرائهم في حلب حول المهنة الجديدة، فالقسم الأول من المواطنين عبّر عن رضاه تجاهها وخاصة أنها وفّرت على الأقل فرص عمل لبعض العاطلين عن العمل، وتأمين لقمة العيش لهم في ظل الظروف الصعبة وارتفاع المعيشة التي تشهدها البلاد، معتبرين أن تلك المهنة لا تعتبر سهلةً قياساً على السهر طول الليل في الشارع رغم البرد القارس، “وعلى الأقل نعرف بأن هؤلاء الأشخاص ليسوا كما السماسرة الكبار الذين يتلاعبون بنا ويحصلون كل يوم على عشرات الأسطوانات لبيعها في السوق السوداء بأضعاف ثمنها، ولولا حاجتهم إلى المال لما كانوا تركوا منازلهم في هذا البرد الشديد وقضوا لياليهم في الشارع”. وفق قول الحاج “أبو خالد” الذي دأب على شراء الدور من “حاجزيه” لمساعدتهم: “في التغلب على ظروف الحياة الصعبة”.
في المقابل، لم يفرّق القسم الثاني من الآراء، ما بين السماسرة وبين “حاجزي الدور”، معتبرين أن الطرفين وجهان لعملة واحدة، معبّرين عن استنكارهم تجاه تلك الخطوة التي تعتبر بمثابة بيع ما هو حق المواطن، للمواطن ذاته، حيث يوضح “محمد” موظف حكومي لـ “أثر برس” بالقول: “من حقي أنا وجميع المواطنين أن ننتظم في الدور بعيداً عن أي حجز أو تلاعب، ولكن من يعملون في الحجز وجميعهم من أحياء أخرى غير حيّنا، يحجزون أماكننا ويحاولون بيعها لنا من جديد، أي أننا ندفع سعر شيءٍ هو لنا في الأصل”.
تجدر الإشارة إلى أن مدينة حلب، ما تزال منذ قرابة الشهرين، تعيش اختناقات وازدحام كبيرين على صعيد توزيع مادة الغاز، في ظل قلة كميات الأسطوانات الموزعة على أحياء المدينة، إلا أنه لوحظ خلال اليومين الماضيين تحسن نسبي بالنسبة لتلك الأزمة ضمن عدد من المناطق، لكن دون أن يصل التحسن إلى درجة انحسار الاختناقات بالشكل المطلوب.
زاهر طحان – حلب