أثر برس

6 موقوفين بقضية انهيار بناء حي الفردوس.. “الأبنية الآيلة للسقوط” خطر مُحدق يتربص بحياة السكان في حلب

by Athr Press G

خاص ||أثر برس  يُعد ملف الأبنية السكنية الآيلة للسقوط والمصنفة على درجة عالية من الخطورة، من أهم وأبرز الملفات التي تعانيها مدينة حلب، في ظل الخطر الكبير الذي تشكله تلك الأبنية على حياة الأهالي القاطنين فيها، تماماً كما حدث في حي الفردوس شرقي المدينة مؤخراً.

وتتركز مناطق انتشار الأبنية الآيلة للسقوط في حلب، ضمن الأجزاء الشرقية من المدينة، كونها تُعتبر الأكثر احتواءً على مناطق المخالفات من جهة، إلى جانب الأضرار الكبيرة التي تعرضت لها خلال فترة سيطرة الفصائل المسلحة عليها ما بين العامين 2012 و2016.

فاجعة حي “الفردوس” الحلقة الأكثر إيلاماً في مسلسل الانهيارات

رغم تسجيل العديد من حوادث الانهيار التي حدثت في مدينة حلب على مدار السنوات الماضية، إلا أن الفاجعة التي شهدها حي “الفردوس” الأسبوع الماضي، كانت الأشد وطأة وإثارة جدلاً بين أوساط الشارع الحلبي، في ظل العدد الكبير من الضحايا الذين حصد الفساد أرواحهم.

13 حالة وفاة لـ 7 نساء و5 أطفال إضافة إلى رجل مسنّ، كانت الحصيلة النهائية لانهيار البناء السكني المكون من 5 طوابق في حي “الفردوس” مساء الأربعاء الماضي، ولعل مشهد خروج جثث المتوفين من تحت الأنقاض أمام أعين آبائهم وأزواجهم، كان من أكثر المشاهد إيلاماً ومأساويةً، وحفر عميقاً في أذهان الحلبيين بشكل عام، وأهالي الحي على وجه الخصوص.

لجنة مختصة للتحقيق في أسباب الانهيار.. والأمن الجنائي يتولى التحقيق

صبيحة اليوم التالي لفاجعة الفردوس، حملت معها تحركاً سريعاً من محافظ حلب، الذي أصدر قراراً يقضي بتشكيل لجنة مختصة بالتحقيق والوصول إلى الأشخاص ممن لهم علاقة بانهيار البناء، حيث ضمت اللجنة فنيين من الأمانة العامة لمحافظة حلب ومجلس المدينة ونقابة المهندسين والخدمات الفنية.

ووفق تقرير اللجنة الذي حصل “أثر” على نسخة منه، فإن الصور الجوية للبناء أوضحت أنه شُيّد في النصف الثاني من عام 2020، وبأنه مبني بدون ترخيص وإشراف ودراسة، ويقع ضمن منطقة مخالفات جماعية، وأن العناصر الحاملة للبناء مكونة من البلوك المفرغ، وهو ما يخالف اشتراطات الكود العربي السوري للبناء.

وفور صدور تقرير اللجنة، تم تسليم ملف التحقيق إلى فرع الأمن الجنائي بحلب، والذي باشر سلسلة من التحقيقات الموسعة حول الموضوع، بهدف الوصول إلى كافة المتسببين الرئيسيين وتقديمهم إلى القضاء.

6 موقوفين و”الحبل عالجرّار”

شهد اليوم الأول من تولي فرع الأمن الجنائي ملف التحقيق في قضية انهيار بناء الفردوس، إلقاء القبض على تاجري البناء “م. عبوده” و”ع. عبوده”، إضافة إلى ثلاثة مدراء سابقين في مديرية خدمات باب النيرب التي يتبع لها حي الفردوس هم “ع. بكور” و”م. غزال” و”م. حمامي”، إلى جانب مسؤول الضابطة العدلية في المديرية ذاتها، ليصل عدد الموقوفين إلى 6، في حين ما تزال التحقيقات مستمرة بوتيرة متسارعة للوصول إلى كافة الأطراف المسؤولة عن تلك الفاجعة، حيث تشير التوقعات إلى إمكانية ارتفاع عدد الموقوفين بشكل أكبر خلال الأيام القليلة القادمة.

رئيس مجلس مدينة حلب لـ “أثر”: أكثر من نصف مساحة حلب مبنية بدون أسس هندسية

بعيد انهيار مبنى الفردوس، قال الدكتور “معد مدلجي” لـ “أثر”، أن أكثر من 50 بالمئة من مساحة مدينة حلب، مبنية على أسس هندسية غير سليمة، أو بدون أسس هندسية بالمطلق، مشيراً إلى عدم إمكانية السيطرة على مثل تلك الحوادث “لأنه لا يمكن السيطرة على السلوك الإنشائي لتلك الأبنية”.

وأضاف “مدلجي” أن مجلس مدينة حلب “هدم أكثر من 1700 مبنى آيل للسقوط خلال الأعوام الثلاثة الماضية، كما تم تنظيم أكثر من 3500 تقرير سلامة عامة، تم على إثرها إخلاء عدد كبير من المباني”.

رغم ألم خسارة متاعهم.. إخلاء مُبكر للسكان يمنع حدوث فاجعة جديدة في الصالحين

لم تكد تمضي 24 ساعة عن حدوث فاجعة الفردوس، حتى دق ناقوس الخطر مجدداً في أحد الأبنية الواقعة بحي “الصالحين” شرقي المدينة، حيث لاذ قاطنو البناء المكون من 6 طوابق، بمحافظة حلب، وقدموا بلاغاً يفيد بسماعهم أصوات تحطم للحجارة أسفل البناء، ما استدعى تحركاً سريعاً من قبل المعنيين في المحافظة ولجان السلامة العامة.

الدكتور “كميت عاصي الشيخ” عضو المكتب التنفيذي في مجلس محافظة حلب، أوضح خلال حديثه لـ “أثر”، بأنه ومن خلال الكشف البناء تبيّن وجود خطورة عالية قد تتسبب في انهياره بأي لحظة، حيث تم اكتشاف وجود هبوطات كبيرة في أرضية البناء، إلى جانب تشققات كبيرة أيضاً في جدرانه، ما استدعى إخلاء السكان منه بشكل فوري وعاجل، تزامناً مع إخلاء عدد آخر من المباني الواقعة في محيطه.

وترافقت عمليات إخلاء بناء حي “الصالحين”، مع قطع كافة الطرق والمحاور المؤدية إليه لمنع حركة المرور باتجاهه، خوفاً من انهياره فوق المارة، قبل أن تبادر الجهات المعنية في حلب صبيحة اليوم التالي، إلى هدم البناء بشكل كامل، وسط ألم وحزن شديد سيطر على قاطنيه الذين كانوا حاضرين خلال عملية الهدم، بحسب ما أوضحه عدد من سكان الحي لـ “أثر”.

أعمال هدم بناء الصالحين أعقبها عتاب ولوم من قبل بعض قاطنيه عبر إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، حيال مسألة منع المعنيين لهم من الدخول إلى البناء مرةً ثانية وجلب أثاث منازلهم ومحتوياتها، الأمر الذي أجاب عليه مصدر خاص لـ “أثر” بالقول: “هل كان من المنطق أن يُسمح لأي أحد أن يغامر بحياته ويدخل إلى بناء على تلك الدرجة العالية من الخطورة وقد ينهار في أية لحظة؟، عندما جاء أمر الإخلاء كان هناك وقت قصير فقط لجلب المتعلقات الشخصية وما إلى ذلك من مصاغ أو مال أما الأثاث فكانت عملية نقله تستوجب وقتاً طويلاً وهذا أمر كان سيعرض حياة المواطنين لخطر مؤكد”.

وما شهده حي “الصالحين”، يماثل الموقف الذي حدث في حي “المشهد” قبل بضعة أيام، لناحية إخلاء بناء سكني بعد ثبوت درجة خطورته العالية، حيث عملت أيضاً الجهات المعنية على هدم البناء وإزالته بشكل كامل، بعد الأضرار الكبيرة التي كان تعرض لها خلال فترة الحرب، وجعلته آيلاً للسقوط في أي وقت.

كما أكد معنيون في محافظة حلب، بأنه تم التأكد من تأمين أماكن إقامة مؤقتة لكافة السكان الذين أُخلوا من الأبنية الخطرة، سواء عند أقاربهم أو جيرانهم، أو من خلال وضع الذين لم يتمكنوا من تأمين أنفسهم، ضمن مساكن مؤقتة بحي “مساكن هنانو” شرقي مدينة حلب.

الأحياء الشرقية في حلب.. بين مطرقة المخالفات وسندان آثار الحرب

فاجعة “الصالحين” لم تكن الأولى التي تشهدها مدينة حلب منذ إعادة السيطرة على أحيائها الشرقية نهاية العام 2016، وتشير التوقعات إلى أنها لن قد لا تكون الأخيرة، نظراً للوضع المزري الذي تعيشه أحياء شرق المدينة، التي كانت بالأصل حتى ما قبل بداية الحرب، تمثّل الوجهة الرئيسية لتجار المخالفات، الطامعين بتحقيق مكاسب وأرباح طائلة حتى على حساب أرواح المواطنين، من خلال تشييد الأبنية بـ “الطول والعرض” وبطوابق متعددة، دون أي أسس سليمة أو دراسات هندسية، وعبر استخدام أرخص وأسوأ مواد البناء، وبيعها بعد ذلك للمواطن “الدرويش المعتّر” الباحث عن أربعة جدران تؤويه وعائلته بأرخص سعر ممكن.

ثورة المخالفات في أحياء شرق حلب، استمرت بعد دخول الفصائل المسلحة إليها عام 2012، ولم تنته بخروج تلك الفصائل في العام 2016، حيث استمر ضعاف النفوس في تشييد الأبنية المخالفة دون توقف، وبيعها للأهالي بأسعار رخيصة مستغلين حاجتهم للمأوى دون أن يحسبوا أي حساب لما قد تزهقه تجارتهم من أرواح.

وليست المخالفات وحدها فقط من تعصف بالأبنية في أحياء شرق المدينة، فالأضرار التي خلفتها الحرب وما تعرضت له تلك الأحياء خلال فترة سيطرة الفصائل المسلحة عليها، كانت كفيلة بجعل نسبة لا بأس بها من الأبنية، سواء النظامية أو المخالفة، تتعرض لأضرار كبيرة جعلتها تُصنف من ضمن الأبنية الخطرة الآيلة للسقوط، ليقع قاطنو شرق حلب فعلياً بين مطرقة المخالفات وسندان الآثار المأساوية التي خلفتها الحرب في أحيائهم.

يذكر أن مدينة حلب كانت شهدت منذ سيطرة الدولة على الأحياء الشرقية قبل نحو 6 سنوات، عدة حوادث انهيارات لأبنية مأهولة بالسكان وخاصة في حيي “الصالحين”، و”صلاح الدين” وهو الحي الذي كان شاهداً على فاجعة كبيرة مطلع العام 2019، تمثلت في وفاة 11 شخصاً وإصابة آخرين بجروح، جراء انهيار بناءٍ مكون من 5 طوابق فوق رؤوس قاطنيه، حيث تبين حينها أن أسباب الانهيار تعود إلى كون البناء مشيّد بشكل مخالف، بالإضافة إلى الأضرار الجسيمة التي كان تعرّض لها خلال الحرب.

زاهر طحان – حلب

اقرأ أيضاً