خاص || أثر برس وجد الشاب “ثائر” ضالته بالحصول على ماء للاستحمام بمنزله، في حمام السوق بالشيخ رسلان، بحكم عدم تزامن تقنين المياه والكهرباء، وهي المشكلة التي يعاني منها معظم قاطني العاصمة دمشق.
يتحدث الشاب سامر لـ “أثر” قائلاً إنه توجه إلى حمام الشيخ رسلان ليستحم بعد فشله لعدة أيام بالحصول على الماء، مبرراً ذلك بأنه “عندما تصل الكهرباء لا تصل المياه، وحينما تصل المياه لا تصل الكهرباء”، ليعود ويوضح أنه لا يستطيع القدوم إلى حمام السوق أكثر من مرتين بالشهر بحكم أنه يعمل في مصنع للأغذية وراتبه لا يكفي للمداومة على هذه العادة.
في حين يشرح “ثائر” أنه يلجأ إلى حمام السوق بسبب الخدمة الجيدة من التدليك والتكييس ويشعر بالاسترخاء أكثر، حسب قوله.
بينما رأى “فؤاد” أحد المرتادين الدائمين للحمام، أن العادات قد تغيرت كثيراً فكان يأتي كل يوم خميس هو وأصدقائه يجلسون ويشربون الشاي والأركيلة، مبيناً أن الأسعار كانت منخفضة، أما اليوم تقتصر تلك العادة على وجود مناسبة مثل حفل زفاف أحد أصدقائه، فمن العادات الشامية أن يكون هناك حمام للعريس وتلبيسة في الحمام مع أصدقائه وزفه وسط عراضة شامية “ليودع حياة العزوبية”.
أحد العاملين في حمام الشيخ رسلان بحديثه مع “أثر” يشرح حال الحمامات في هذه الأيام بقوله: “في هذا العصر المتقدم بتنا نلجأ لوسائل بدائية أكل عليها الدهر وشرب بسبب ما تمر به بلدنا من نقص في المحروقات وعدم وجود تيار كهربائي وفي بعض الأحيان -خصوصاً في الشتاء- نقوم بتسخين المياه في الأوعية من أجل استحمام أطفالنا، هذا في حال توفر الغاز”.
وهنا يوضح أن الزبون في حمام الشيخ رسلان الواقع بدمشق القديمة، يحصل على مناشف وصابون وشامبو وليفة ويستمتع بحمام بالماء الساخن، بالإضافة لوجود شخص يقوم بتدليكهم وتكييسهم مقابل مبلغ 12000 ليرة سورية.
ويرى العامل في هذا الحمام، أن حمامات السوق الدمشقية كانت لفترة قريبة قبل الأزمة رمزاً تراثياً وتجمعاً لسياح وأبناء المدينة ممن يريدون التسلية والاستمتاع بما تقدمه من مميزات وعزائم للنسوة أيضاً خاصة في الأفراح، ولكن منذ بدء الأزمة السورية وانتقالها للحرب الاقتصادية وتدهور قطاعات المياه والكهرباء أصبح حمام السوق ملجأ لأهل المدينة ممن انقطعت بهم سبل وصول المياه الدافئة إلى منازلهم.
استبدال الأميمي بالمازوت:
وبالحديث عن حمام الشيخ رسلان تحديداً والذي يبلغ عمره حوال 750 عام،، يقول مديره أيمن مارديني لـ “أثر برس” إن تصميمه يختلف عما هو حالياً فرغم أنه حافظ على القبب القديمة واللبن الكلسي، إلا أنه تم إدخال بعض التجديدات لتناسب وقتنا الحاضر.
ويضيف: “قديماً كان الحمام يعمل على “الأميم” وهو بحاجة للنشارة وكان هناك شخص مختص يدعى “الأميمي” يجلس داخل الحفرة المخصصة ويضع النشارة فتسخن المياه، أما اليوم فالوضع مختلف حيث أن الحمام يحتاج إلى مازوت بسبب وجود الشوديرات اللازمة لتسخين المياه”.
وأشار إلى أنه كان يوجد وقت مخصص للنساء لحفلات المرأة “النفاس” (الذي وضعت مولودها حديثاً) لأن قديماً كان هناك اعتقاد سائد بأن جلوس المرأة على أرض الحمام يساعدها على التخلص من أوجاع الولادة، منوهاً إلى أن النساء أيضاً كانوا يقصدن الحمام ليخترن فتاة تناسب ابنهم للزواج، أما اليوم فتلك العادات قد تغيرت.
وحول الإقبال على الحمام أوضح أنه ضعيف جداً حالياً، فقبل الأزمة كان هناك إقبال كثيف بسبب وجود السياح من مختلف البلدان أما الآن فلا يوجد سائحين إلا بنسب قليلة لا تتجاوز 10%.
ولفت مارديني إلى أن زوار الحمام اليوم هم فقط من أهل المدينة، إذ بات ضرورة بعد ما كان رفاهية وذلك بسبب الظروف التي تمر بها البلاد من انقطاع التيار الكهربائي والمياه سواء في الصيف أو في الشتاء مما يضطر البعض للجوء إلى الحمام ليحصلوا على مياه دافئة من أجل الاستحمام، ومنهم من يأتي بسبب وجود الخدمات كـالبخار والتكييس والمساج التي تساعده على الاسترخاء وهذا لا يتوفر في حمام المنزل، إضافة إلى أن بإمكانه الجلوس بجانب البحرة وشرب كأس من الشاي فهي متعة إضافية.
كما بيّن أن هناك صعوبة في تأمين مادة المازوت للحمام، حيث لا يتم إعطاؤهم الكمية كاملة ويعد هذا سبباً رئيسياً لإغلاق بعض الحمامات كما أنه سبب لرفع أجور الحمام، مشيراً إلى أن التكلفة أصبحت كبيرة على صاحب الحمام وهذا يختلف عن السابق فالمادة كانت متوفرة وكان سعرها منخفضاً.
والجدير ذكره أن الحمامات الشعبية من إحدى معالم دمشق التاريخية المميزة وقُدّر عددها بأكثر من 167 حمام منذ العصر الأموي، ولكن لم يبق منها اليوم سوى 10 حمامات، فالبعض منهم غيّر مهنته والبعض الآخر اضطر إلى إغلاقه ومن أهم تلك الحمامات حمام البكري وحمام الملك الظاهر بيبرس في باب توما وحمام الرفاعي في الميدان، وعز الدين في باب الجابية، ونور الدين الشهيد في دمشق القديمة، والمُقدَّم في الجسر الأبيض، والتيروزي في باب سريجة.
لمى دياب – دمشق