على مايبدو أن تركيا حشدت عسكرياً على الحدود السورية من جهة إدلب، واضعة أصابعها في آذانها غير آبهة لصوت المعارك الأخیرة في ريف حماه الشمالي، إذ هي على علم بنتائج المعركة التي تقودها “جبهة النصرة”، ومن الواضح أن الأتراك كانوا ينتظرون مخرجات “أستانة6” بفارغ الصبر، والتي تتضمن اتفاق خفض التصعيد في إدلب ودخول الضامنين الروسي والإيراني، وهذا مافعله حقاً الجانب التركي بدفعه لتعزيزات عسكرية إلى الحدود مع مع محافظة إدلب.
حسن سنديان.. أثر برس
ولكن معركة “ياعباد الله اثبتوا” التي أطلقتها “هيئة تحرير الشام” بقيادة “جبهة النصرة”، على ما يبدو أنها آخر ورقة ترمي بها “الجبهة” قبل رضوخها لاتفاق أستانة الذي نقضته بفتح جبهة حماه، في محاولةٍ منها إلى الهروب نحو الأمام، وعدم انحصارها في منطقة جغرافية معينة، فإذا أردنا المقارنة بين معارك حلب الحاسمة ومعركة ريف حماة الأخيرة، لا نرى أي تقدمات ميدانية، فهي ليست سوى معركة إعلامية سياسية، وانقسامات في المعارضة بين مؤيد للمعركة ومعارضٍ لها.
ومن الواضح أن “جبهة النصرة” حاولت إخفاء ارتباطها بتنظيم “القاعدة” لتقدم نفسها صديقاً لأهالي إدلب وتحكمهم، من خلال مؤسسات مدنية تموه نفسها من خلالها، ولكن قياداتها لم تستطع تغيير طبيعتها المتطرفة التي تكمن أيضاً في الخضوع والولاء التام لمحكمتها الشرعية، كما أن النقطة الثانية التي كشفت “النصرة” أيضاً، الخلاف الداخلي الذي حصل فيها بعدما علمت بدخول تركيا وروسيا وإيران منطقة خفض التوتر في محافظة إدلب، والذي تجسد بانقسام “الهيئة” إلى فريقين فريق يرفض المفاوضات السياسية ويؤيد استمرار العمل العسكري، وكل من يريد الدخول إلى إدلب بقيادة الشرعيين السعودي “عبد الله المحيسني” ومصلح العلياني اللذان انشقا عن “الهيئة” في وقت سابق، وفريق يقبل التفاوض مع الروس والأتراك يتمثل بالقائد العام “للهيئة” المدعو “أبو محمد الجولاني” وقائد قطاع إدلب، “أبو الوليد” والمعروف بــ “أبو حمزة بنش”.
إلا أن الضعف الداخلي الذي حصل في تشكيلات “الهيئة”، وشعورها مؤخراً بأنها ستحصر في بقعة جغرافية محدودة والذي سيؤدي إلى حلها، هذا ما جعل “النصرة” تفكر بأن تدفع بنفسها نحو معركة عسكرية بريف حماه المجاور لجنوب إدلب، وتشكل مجلس مدني في إدلب قرب حدود تركيا لإدارة المدينة والذي ربما له أسباب عدة، منها نجاح أطراف مؤتمر أستانة جزئياً بفصل بعض فصائل المعارضة عن “جبهة النصرة”، فضلاً عن اتفاق الروس والأتراك والإيرانيين على نشر قوات مراقبة تتولى مسؤولية الأمن وإدارة تنفيذ باقي تفاصيل الاتفاق، والذي أعلن عنه في بيان ختامي لجولة المحادثات، يتضمن إنشاء مناطق «تخفيف التصعيد» المقررة في المنطقة الجنوبية وغوطة دمشق الشرقية وريف حمص الشمالي وإدلب، ولكن هذا يبدو أنه يفتح باباً على “هيئة تحرير الشام” يشترط بقبول حلها بعد دخول المنسقين الثلاثة مدينة إدلب ضمن الخريطة المتفق عليها والتي تقسّم المنطقة إلى ثلاثة أقسام، على أن تتولى القوات التركية بالتعاون مع المعارضة مسؤولية المنطقة الغربية المحاذية للواء إسكندورن “إقليم هاتاي”، فيما يرجح مراقبون أن هذا التدخل من قبل الأتراك ربما يقود إلى اشتباكات عنيفة في تلك المناطق في حال رفضت “الهيئة” حل نفسها.
ولكن إذا خسرت “النصرة” معركتها في الريف الحموي، وهذا ما حصل فعلاً منذ بدايتها، سيؤدي ذلك إلى تقدم القوات السورية والسيطرة على منطاق فقدتها منذ سنوات، وصولاً إلى المناطق المتاخمة لمحافظة إدلب من الجهة الجنوبية، يقابله أيضاً عدم قدرة مسلحي “جبهة النصرة” بتثبيت نقاطها في تلك المنطقة.