رضا توتنجي
تعيش القومية الكردية في بقعة جغرافية ذات موقع جيوسياسي يتوسط أربعة بلدان في الشرق الأوسط ونتيجة لذلك الموقع الهام عمل المكون الكردي مع عدد من القوى العسكرية لمصالح اقليمية قُدِمت بوعود وأحلام منافية للمنطق لا تسمو للاستمرارية مما أدخلهم في عقدة الصراعات الدولية كما هو حال أكراد سوريا.
ماذا طرأ على مشروع الدولة الكردية في شمال سوريا؟
يتركز انتشار القومية الكردية في دائرة جغرافية تجمع بين الحدود السورية والعراقية والتركية والإيرانية أي في شمال سوريا وشمال غرب العراق وشرق تركيا وجنوب غرب إيران، إلا أن تلك القومية لم تتمكن من التحول إلى دولة مستقلة على مدى التاريخ. حيث يقول المؤرخ الروسي أنطون إيفستراتوف: “إن الدولة الكردية لم تكن موجودة تاريخياً حيث أن النزعة القومية الكردية، تشكلت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما ظهر في بيئة ثقافية كردية صغيرة من الإمبراطورية العثمانية -حزب الاتحاد والتقدم-“.
بالمقابل توجد بعض الأسباب الداخلية والخارجية التي منعت مشروع تلك الدولة من النشوء ومن أبرز تلك الأسباب التباعد الثقافي داخل المكون الكردي ذاته، فعلى سبيل المثال: أكراد إيران يختلفون لغوياً عن أكراد تركيا ناهيك عن الصراع بين حزبي مسعود بارزاني الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني التركي(PKK)، أما الأسباب الخارجية فهي غياب مصلحة أي دولة من الدول الأربع لقيام دولة كردية واقتطاع أكثر من ربع مساحة الدولة في أقل التقديرات، لذلك أصبحت تلك القومية المشتتة أرض خصبة لأي قوة إقليمية تحاول العمل في هذه الدائرة ذات الأهمية الدولية.
وفي عقدنا الحالي ومع بداية الأزمة السورية، بدأت القوات الأميركية بتقديم الدعم لأكراد سوريا في الحسكة والقامشلي حيث تمكنت من “إنشاء قوات سوريا الديمقراطية” والتي أصبح من الأعمدة الأساسية للتشكيلات العسكرية التابعة للقوات الأميركية، وتمكنت في منتصف العام الحالي من السيطرة على مدينة الرقة “عاصمة تنظيم “داعش” ليقوى الحديث عن استقلال الأكراد في سوريا بالإعلام العالمي.
ذلك الاستقلال دق ناقوس الخطر لدى دول الجوار، ومن ضمنها تركيا كونها العدو الأول للكيان الكردي، ما أدى إلى نشوء خلاف أمريكي -تركي كون الولايات المتحدة هي الداعم الأبرز للأكراد ليتطور خلال الأشهر الأخيرة إلى حدود تبادل الاتهامات.
أكراد سوريا سبب في تجاذبات وتنافرات دولية
تلك الخلافات الأميركية-التركية بسبب دعم “قوات سوريا الديمقراطية”، دفعت القيصر الروسي لاستمالة الجانب التركي من خلال حلف روسي – إيراني – تركي غيَّر صورة التحالفات في المنطقة ليترجم في قمة سوتشي قبل أيام، والذي ضمن لتركيا إزالة أو إضعاف “قوات سوريا الديمقراطية”، إلا أن المفاجئة كانت خلال عودة الرئيس التركي من المؤتمر عندما أعرب عن استعداده للتواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد، كونه هو الآخر لا يقبل بوجود قوات “قسد” التي تمهد لنشوء مشروع كيان مستقل للأكراد في سوريا، ما دفع الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” إلى إجراء اتصال مباشر مع الرئيس التركي أردوغان أعرب فيه عن استعداد الولايات المتحدة لإيقاف الدعم الأميركي عن قوات “قسد” حسب وكالة رويترز، ما يعني إنتهاء المشروع الكردي المستقل الذي رسم من قبل الولايات المتحدة الاميركية.
أكراد سوريا تخلوا عن الولايات المتحدة
تمكن أكراد سوريا من قراءة المستقبل القريب الذي سيحدث، والاقتناع بعدم إمكانية قيام دولة تتوسط 4 دول معارضة لوجودها مع غياب أي منفذ بحري لها، كما قرأت عن خذلان الولايات المتحدة لأكراد العراق وفشل الاستفتاء الأخير في إقليم كردستان بعد تصريح الخارجية الأميركية بأنها لا تحبذ استقلال الإقليم في هذا الوقت (في محاولة منها لإرضاء الجانب التركي)، ناهيك عما جرى في مدينة كركوك العراقية ودخول قوات “الحشد الشعبي” إليها، لذلك قرر أكراد سوريا الذهاب إلى الجناح الآخر حيث صرح الرئيس المُشترك لمَجلس سورية الديمقراطيّة رياض درار أن “قوّاته ستَنضم للجيش السوري الذي سيَتكفّل بتَسليحِها عندما تتحقّق التسوية السوريّة”.
في حين نشرت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها الأسبوع الفائت أن وزارة الدفاع الأميركية تنوي زيادة قواتها في سوريا لمواجهة النفوذ الإيراني، في إشارة منها إلى استمرارية وجود قواعدها في المنطقة في حال ألغت دعمها للأكرد.
ماذا يعني إلغاء الدور الكردي وانضمامه للقوات السورية؟
انضمام “قوات سوريا الديمقراطية” للقوات السورية سيؤدي إلى تداخل القواعد العسكرية الأميركية مع القواعد العسكرية الموجودة للقوات السورية، وهو أمر بعيد عن المنطق، وقد تحدث الرئيس السوري بشار الأسد قبل أسابيع عن أن “التواجد الأميركي في سوريا هو تواجد غير شرعي ولا نقبل به”، وفي حال زوال القواعد الأميركية سيصبح المعبر الإيراني إلى البحر المتوسط خالي من الرقابة الأميركية المباشرة سواءً من قاعدة التنف أو من القواعد الأميركية شمال البوكمال ما من شأنه إعادة طريق “بيروت – طهران” إلى سابق عهده قبل الحرب السورية، بالتوازي مع تضخم الدور الروسي في المنطقة مما يضعنا أمام ردود فعل أميركية-إسرائيلية قد تكون خارجة عن التوقعات، بعد تجريد هذه القوى من آخر أوراقها في المنطقة ليكون المكون الكردي هو بيضة القبان بين القوى الإقليمية.
بالنهاية يمكننا القول بأن حكومة “روج آفا” قد فشلت في سوريا بعد 3 سنوات من إعلانها، مثلما فشلت جمهورية “آرارات” في شرق تركيا منذ حوالي 90 عاماً والتي استمرت أيضاً لـ 3 سنوات، بالإضافة لمشروع كردستان الذي ظهر في إيران عام 1945 مدعوماً من الاتحاد السوفيتي.
فهل سيبقى الأكراد محل تجاذبات للدول الإقليمية التي تقنعهم بأحلام غير واقعية كما هو حال أكراد سوريا مع الولايات المتحدة؟