استوطن الإيزيديون منذ آلاف السنين في بلاد ما بين النهرين، لكن لم يسلط الضوء عليهم إلا في السنوات الأخيرة لاسيما بعد أن قام تنظيم “داعش” بإبادة الأقليات الدينية حيث قتل منهم أكثر من خمسة آلاف إيزيدي بحسب صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، هذا الأمر جعل أنظار العالم تتجه صوب أصحاب هذه الديانات المنسيّة في محاولة للتعرف عليهم.
الديانة الإيزيدية:
تعتبر الديانة الإيزيدية واحدة من أقدم الديانات الشرقية القديمة ويعتقد أتباعها أنهم أول من عبدوا الله، وأن دياناتهم انبثقت عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، وعلى الرغم من أنّ الإيزيدية تسبق الديانات الأخرى بألف عام تقريباً إلا أنّها تضم أفكاراً من المسيحية والإسلام واليهودية والزرادشتية والصوفية.
وتشير بعض المخطوطات إلى أن تاريخ الديانة الإيزيدية يرجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وأنها بقايا أقدم ديانة في منطقة الحضارات العظمى في الشرق، ويؤمن الإيزيديون بأنه لا صلة بين المخلوق والخالق، لذلك لا يؤمنون بالأنبياء، وليس لهم نبيّ مُتّبع مثلما في الديانات الإبراهيمية، بحسب معتقداتهم.
والإيزيدية ديانة غير تبشيرية؛ ولا يجوز الدخول إليها إن لم تولد إيزيدي، وإذا تركها أحدهم لا يعود إليها مرة أخرى. ويعدها الكثيرون “من ضمنهم أمير الإيزيدية تحسين بيك” قومية مستقلة وديانة، في حين يرى الكثير من الإيزيديين أنفسهم كُرد القومية كما يصفهم مسعود بارزاني بأنهم “أعرق الكُرد”، في حين يرى قسم ثالث من الإيزيديين أنفسهم كعرب القومية مثل إيزيدية بعشيقة وبحزاني.
بينما يتكلم أغلب الإيزيديين اللغة “الكرمانجية” التي يستخدمونها في صلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوسهم، ويُحرم الإيزيديون الزنا والكفر والإشراك بالله وشهادة الزور وأكل الخنزيز وشرب الخمر والكذب والغش والرياء والنميمة، والزواج من زوجة الأخ المتوفى.
المكان المقدس لدى الإيزيديين هو معبد “لالش”:
إنّ تاريخ منطقة “لالش” ضارب في القدم إذ يعود إلى الحقبة السومرية قبل 4000 عام، فـ “لالش” قرية صغيرة ومعبد ضخم يقعان في وادي شيخان – وهو أقدس المعابد لدى الإيزيديين، عند مدخل القرية يقف رجلا أمن لحماية المعبد، ويجب عليك عند الدخول للمعبد أن تخلع نعليك.
شُيد المعبد الرئيسي بأيدي السومريين وحضارات قديمة أخرى. وفي عام 1162 جرى تحويله إلى قبر للشيخ عديّ بن مسافر الأمويّ – الذي يسميه الإيزيديون “الملاك طاووس”.
ويعتقد الإيزيديون أنّ سفينة سيدنا نوح قد رست في “لالش” بعد الطوفان، وهكذا فهي منبع الحضارة الجديدة، ولهذا السبب، فهم يحجّون إلى هذا الموقع مرة في العمر على الأقل للشرب من نبع المياه المقدسة.
احتفالات الإيزيديين:
كان الإيزيديون يحتفلون بيوم الأربعاء الأحمر – رأس السنة الإيزيدية الجديدة – في الوقت الذي تحتفل فيه الكثير من دول العالم بعيد الفصح.
يسمون هذا الاحتفال “كارساما ساري ساري” ويمتد من الليلة السابقة، وهو احتفال بالطبيعة والخصوبة وخلق الكون، وكان احتفال العام الحالي هو الأكبر منذ المذبحة التي ارتكبها تنظيم “داعش”.
كما تشير التقارير إلى أنّ العائلات المتواجدة تنحدر أصلاً من بعشيقة – قرية تبعد 20 ميلاً عن الموصل – لكنهم فروا هاربين في 2014 صوب شيخان، التي تبعد عشرة أميال عن لالش، وهم يمنون النفس بالعودة إلى ديارهم عما قريب.
وهناك عيد السبعة أيام (من 23 إلى 30 أيلول)، بالإضافة إلى عيد الجمعة الأولى من كانون الأول وهو عبارة عن وليمة تأتي بعد صيام يستمر لثلاث أيام.
أماكن توزع الإيزيديين:
يُقدّر العدد الإجمالي للإيزيديّين في العالم بما بين خمسمائة ألف وسبعمائة ألف شخص، وتقول بعض الإحصائيات إن نحو سبعين ألفاً من المتواجدين منهم في العراق – أو ما يوازي 15% منهم- لجؤوا إلى أوروبا هرباً من الاضطهاد والتصفية.
أكثر معتنقي هذه الديانة من الكُرد، ويعيش 75% من الإيزيديين في العراق في المنطقة الجبلية القريبة من الحدود السورية و10% منهم يعيشون في المنطقة الكردية في مدن مثل دهوك والسليمانية وأربيل و15% الباقية في منطقة شيخان.
وحسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، يُقدّر عدد الإيزيديين في العالم بحوالي نصف مليون يزيدي، أغلبهم يسكن العراق ولهم جالية تسكن النمسا واستراليا.
الإبادات الجماعية للإيزيديين:
يقول البعض إن الإيزيديين تعرضوا عبر التاريخ لـ 72 إبادة جماعية، جعلتهم منزوين عن العالم متقوقعين اجتماعياً، وبات الخوف من الغرباء سمة أساسية في مجتمعاتهم.
وكانت أحدث عمليات هذه الإبادة عام 2007 خلال تواجد الاحتلال الأميركي في العراق، حيث قُتل المئات منهم بانفجار سيارات مفخخة في معقلهم الرئيس شمالي العراق، وأخيراً ما تعرضوا له على يد تنظيم “داعش” المتهم بإعدام أكثر من 5000 آلاف من الإيزيدين لدى سيطرة التنظيم على أراض في العراق بآب الماضي.
ويرأس الجماعة الإيزيدية أمير تعتبره الديانة ممثل الملك طاووس على الأرض، ويقوم بتمثيل أتباع الطائفة في جميع المؤتمرات الوطنية والدولية، وينحدر هؤلاء الأمراء جميعاً من عائلة واحدة تعرف بعائلة “العقيد”.
وعلى الرغم مما يواجهونه من تضييق واضطهاد لقرون، فإن الإيزيديين لم يتركوا دينهم أبداً، وهي شهادة لهم على إحساسهم المتميز بهويتهم وقوة شخصيتهم.
وإذا ما طرد متطرفو “داعش” الإيزيديين من العراق وسوريا، فإن هناك احتمالية أكبر لأن يستقروا في مناطق جنوب غربي تركيا، حيث يمكنهم هناك أن يمارسوا معتقداتهم بسلام.
المصدر: بي بي سي عربي – موقع نون بوست – صحيفة “الإندبندنت” البريطانية