ربما لم يتبق مسلم لم يشاهد المنظر المؤلم للطفل البورمي الذي يحترق في إطار مطاطي وغيره، الكثير من الفظائع التي انتشرت ضمن الحملة التي تُشن على المسلمين هناك التي قال عنها المفوض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة “إن الوضع يعد نموذجاً كلاسيكياً عن حملة تطهير عرقي!”.
المتابع لهذا الموضوع يرى بوضوح أن هذه الممارسات الوحشية ليست جديدة على الإطلاق بل تمارس منذ عدة سنوات، حيث يتداول الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الفظائع التي تأتي من تلك المنطقة ولكن الجديد هو التركيز من قبل كبرى وسائل الإعلام العالمية ومن ضمنها الBBC على هذه الأحداث ونقلها للرأي العام العالمي والإسلامي الذي استجاب بمظاهرات كبيرة في كل من ماليزيا واندونيسيا وتركيا واستراليا وروسيا والشيشان، كما شهدت مواقع التواصل حضوراً وتفاعلاً مكثفاً مع الأحداث هناك.
اللافت للنظر هو تزامن الحملة الإعلامية مع دعوة تنظيم القاعدة “المجاهدين” إلى التوجه نحو بورما، وشن هجمات انتقامية نصرة للأقلية المسلمة المضطهدة حيث طلب القيادي في التنظيم خالد باطرفي من المسلمين هناك أن يعدوا عدتهم للجهاد.. مما يعزز وجهة النظر القائلة بأن الهدف النهائي من إثارة هذه القضية الآن في الوقت الذي تنتهي فيه الحرب في سورية ويتعرض فيه تنظيمي “داعش” والقاعدة في الشرق والشمال الغربي السوري لهزائم كبيرة وضغوطات متنوعة تهدد وجودهم هو ضرب الصين بذات الأداة التي ضربت فيها الولايات المتحدة الأمريكية الإتحاد السوفيتي وهي الجهاديين المتشددين الذين طالما استثمرت فيهم ووجهتهم لخدمتها بطرق مختلفة. لاسيما أن ميانمار (بورما) سوف يمر منها طريق تجاري لنقل البضائع الصينية المتجهة نحو بنغلادش ضمن مشروع صيني، يشمل إعادة إحياء طريق الحرير والتخلي عن التعامل بالدولار الأمريكي وجعل اليوان الصيني عملة احتياطية بدلاً عنه، مما يشكل تهديداً كبيراً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي قررت على مايبدو محاولة إدخال الصين في موجة من الأزمات الداخلية مستغلة التنوع الديني الموجود حولها في سيناريو مشابه لأفغانستان وكوسوفو والبوسنة وسوريا التي تأتي منها باضطراد أخبار عن نية عدد من الجهاديين المتواجدين في إدلب “التوجه لنصرة المسلمين في بورما “، حيث يتم الحديث عن إرسال “أبو محمد الجولاني” أمير “جبهة النصرة” سابقاً عددا من رجاله الذين اكتسبوا خبرة واسعة خلال سبع سنوات من (المعارك الطاحنة في سوريا) إلى ميانمار لدفع العدو الصائل عن المسلمين هناك على حد تعبيرهم، كما أن الأخبار المنتشرة عن نقل التحالف لقيادات من “داعش” إلى جهات مجهولة من جهة ونقل مقاتلين أجانب وتركستان من إدلب عبر تركيا من جهة أخرى بالتوازي مع فشل إقامة “إمارة اسلامية” في إدلب يدعم هذا السيناريو. كما يتم الحديث عن ارسال الجولاني الذي أعلن انفصاله عن تنظيم القاعدة في تسجيل ظهر فيه وهو يرتدي سترة وعمامة أسامة بن لادن _ عدة ملايين من الدولارات مع المجاهدين المشتملين على سوريين وتركستان كمساعدات للمسلمين المنكوبين هناك.. أي أنه من غير المستبعد على الإطلاق أن نرى قصة المجاهدين العرب في أفغانستان بالأمس، تتكرر اليوم في بورما التي تصبح يوماً بعد يوم نتيجة عدة عوامل من بينها الشحن الإعلامي الغربي بالذات المجال الأمثل لاستقطاب الجهاديين بما فيهم السوريين الذين يتعرضون لمضايقات وضغوطات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.. كما في كل الصراعات يبقى المدنيون هم الخاسر الأكبر من صراع عمالقة العالم على النفوذ والسيطرة على الموارد.