في الوقت الذي بدأت فيه دمشق تعيين شروطها الثابتة مع أنقرة لاستكمال التقارب معها بدعم روسي- إيراني، فإن الساحة العربية على الجانب الآخر كانت تشهد اتصالات ومباحثات عززتها زيارات سرية وعلانية، للشروع ببدء عودة سوريا إلى محيطها العربي تتويجاً لمرحلة سياسية مقبلة تخضع لإرادة معظم الأطراف العربية الفاعلة.
وتعليقاً على ذلك، يرى محمد مصطفى مدير وكالة “أنباء الشرق الأوسط” المصرية في تصريحات لقناة “روسيا اليوم”، أنّ “التحرّكات العربية في الآونة الأخيرة يبدو الكثير منها مفاجئاً أو حتى مُستغرَباً؛ لكنها تأتي كلها في إطار ما يمكن توصيفه بأنه محاولة من أطراف عربية فاعلة لبلورة شكل وجوهر نظام إقليمي “شرق أوسطي جديد” فيما تتم في دائرة أوسع من دائرة المنطقة بلورة شكل وجوهر نظام عالمي جدي”.
وأشار مصطفى إلى أن “ملف الأزمة السوريّة بتشابكاته وتداعياته يحتل أهمية قصوى في هذا الإطار بعدما أصبحت سوريا -في ظل قطيعة وعزلة عربية شبه كاملة- منطقة تواجد بل وتصارع قوى عظمى فيما بينها من جانب وقوى عربية وإقليمية (دول الجوار) من جانب آخر”.
وتابع: “من هنا جاءت كثافة التحركات العربية الجارية مع الجانب السوري وعمقها إدراكاً من سوريا ومن قوى عربية أساسية لحقيقة مفادها أنه من الصعب بل من المستحيل تدشين نظام آمن إقليمى عربي أو شرق أوسطي قوي في غياب سوريا”.
من جهته، قال الباحث في شؤون الأمن القومي أحمد رفعت، إنّ “هناك توجّه عربي ملحوظ لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وهو الإجراء المهم الذي يبدو عند بعضهم عاطفياً أو أنه مجرد تصحيح لخطأ سابق؛ لكنه في العمق قرار مهم للغاية من شأنه أن يحسم الجدل نهائياً في الاعتراف بالدولة السورية وبما يشكل دعماً كبيراً له في مواجهة القوى والتنظيمات الإرهابية من جانب والإقليمية من جانب وبعض الأطراف الداخلية التي راهنت على إضعاف الدولة السورية لتحقيق أهدافها وأخيراً القوى الدولية التي تتعارض أهدافها عندئذ مع توجهات الموقف العربي”، وفقاً لقناة “روسيا اليوم”.
وأشار رفعت إلى أن “هناك مجموعة من الدول تحارب الدولة السورية علناً وتدعم معارضيها بالمال والسلاح ودول أخرى لا تبالي بموقف هؤلاء وتتعامل مع الحكومة السورية وتقيم معها علاقات دبلوماسية، ودول أخرى في مقدمتها مصر ورثت قطيعة دبلوماسية؛ لكنها اختارت أن تكون مع الشعب السوري ووحدة ترابه وأراضيه وهذا لا يتم إلا بالتعامل مع الحكومة السورية ودعم الجيش الوطني في مواجهة الإرهاب باعتبار الجيش السوري الضامن لوحدة أراضي سوريا وفي الوقت نفسه تؤمن مصر بحق الشعب السوري في تطلعاته نحو الديمقراطية”.
وتابع الباحث المصري: “الآن تتقارب المواقف وتذوب بمراجعات أثبتت أهمية وجود صياغة جديدة للأمن العربي تغلق الأبواب أمام التدخلات الخارجية وأن عودة سوريا للحضن العربي والبدء في إعادة إعمارها خطوات مهمة في هذا الاتجاه”.
وأوضح أن “الإمارات أعادت علاقاتها والسعودية ترسل رسائل جيدة وتونس تستعد لفتح سفارتها وتسمية سفير ربما خلال ساعات، والجزائر تدعم الدولة السورية ومعها لبنان ومصر التي رفضت تمثيل المعارضة لسوريا في القمة العربية بشرم الشيخ في 2015، وأعلنت صراحة دعمها للجيش السوري”، لافتاً إلى أن “هذه الدول تدير الملف بما يؤدي إلى منع الاعتراضات داخل الجامعة من بعض الدول التي لم يتغير موقفها من الأزمة هناك حتى اليوم وتحتاج إلى حوار سريع إما لتغيير موقفها أو لمنع وقوفها ضد عودة سوريا إلى العرب”.
يشار إلى أن بعض الدول العربية ما يزال موقفها رافض لاستعادة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية من مثل قطر، إذ يرى محللون أن هذه المواقف مرتبطة بارتباط بعض الدول العربية بالدول الغربية والولايات المتحدة انطلاقاً من مصالحها الضيقة ونتيجة للتقارب الروسي والإيراني مع سوريا والذي يعد ويمثل خطراً على المصالح الغربية ومن خلفهما “إسرائيل”.
أثر برس