كثُرت في الآونة الأخيرة الأحاديث عن تراجع للوجود الروسي في سوريا، وذلك من خلال التقارير التي أشارت إلى تقليص في تعداد قواتها ومنظومات الدفاع الجوي الموجودة في سوريا وغيرها، لافتة إلى أن هذه التغييرات تهدف إلى تعزيز جبهة أوكرانيا.
في هذا الصدد، نقلت صحيفة “كومير سانت” الروسية عن مجموعة من الخبراء، تأكيدهم على أن روسيا لا يمكن أن تخفف وجودها في سوريا، لافتين إلى أن السياسة الروسية في سوريا تعد بالنسبة لموسكو أحد العناصر المفصلية في تشكيل الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط، حيث قال مدير مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فاسيلي كوزنتسوف: “الأحاديث عن خروج روسيا من سوريا حماقة، لأن سياسة موسكو تجاه سوريا أحد العناصر المفصلية في تشكيل الاستراتيجية الروسية نحو الشرق الأوسط”.
وأوضح كوزنتسوف أن علاقات روسيا، على ضوء الصراع في أوكرانيا، تتعرّض لتعديلات مع دول آسيا الوسطى لكن الوضع في الشرق الأوسط مختلف، لافتاً إلى أنه “على عكس آسيا الوسطى، لم تكن هناك هيمنة روسية على منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك هيمنة ثقافية واقتصادية وحضارية، والشرق الأوسط لم يكن أبداً منطقة مصالح وجودية”، وفقاً لما نقلته “كومير سانت”.
ومن الجانب عسكري، فنقلت الصحيفة الروسية عن الخبير العسكري يوري ليامين، قوله: “التقلبات في عدد العسكريين قد يكون مرتبطاً بالتناوب، خاصة مع عدم وجود عمليات عسكرية كبيرة الآن في سوريا، وتناوب القادة أمر شائع أيضاً”.
وفيما يتعلق بغياب الردع الروسي للغارات “الإسرائيلية” على سوريا، اعتبر ليامين أن الرادع ليس وجود الوحدة الروسية في سوريا، إنما فهم أن موسكو يمكن أن تخلق الكثير من المشاكل لـ”الإسرائيليين” من خلال إيران.
من الواضح أن الحديث عن انسحاب أو تخفيف للوجود الروسي في سوريا، هو أمر أشبه بالمستحيل، فاحتفاظ روسيا بوجود لها في بقعة استراتيجية في الشرق الأوسط كسوريا التي تضمن لها أيضاً وجوداً في البحر المتوسط هو مشروع عملت عليه روسيا منذ زمن، وفي هذا السياق نشرت سابقاً صحيفة “الشرق الأوسط” مقالاً قالت فيه: “من البوابة السورية، عبرت موسكو نحو إعادة ترتيب حضورها الدولي والإقليمي على أسس جديدة”، مضيفة: أن “الوجود العسكري اكتسب في سوريا أهمية مضاعفة على خلفية تفاقم المواجهة الحالية بين روسيا والغرب، وبرز ذلك في مسارين: الأول: عندما تحدثت روسيا عن تحوّل مهام قواعدها التي تكاثرت بعد ذلك في سوريا لتولي مهام لا ترتبط فقط بالعمليات الجارية داخل سوريا، بل تمتد لتشمل تعزيز النفوذ الحربي الروسي في كل حوض المتوسط والبحر الأحمر، والثاني: برز من خلال إدراج الحضور الروسي في طرطوس في العقيدة البحرية الجديدة التي أقرها الرئيس بوتين قبل شهرين، عكس ذلك مستوى أهمية هذا الوجود بالنسبة إلى الخطط الاستراتيجية الكبرى لروسيا على صعيد تطوير حضورها العسكري في كل البحار العالمية”.
وكذلك موقع “المونيتور” الأمريكي أكد في وقتٍ سابق أن “الكرملين يأمل في أن تكون سوريا شوكة مستقبلية في الجناح الجنوبي لحلف الأطلسي”، مشيراً إلى أن “الخبراء الروس واثقون من أن حميميم سيصبح مكاناً دائماً لاستعراض القوة، ومهماً للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم، وفي صراع محتمل، وسيتم نشر طائرات حلف شمال الأطلسي إلى الحدود الجنوبية من شرق البحر الأبيض المتوسط”.