بعد غياب التصريحات الرسمية التركية بخصوص العملية التركية العسكرية شمالي سوريا، أعلن يوم الأحد في السادس والعشرين من حزيران الجاري المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، عن اكتمال التجهيزات العسكرية للشروع بعملية الشمال السوري، لافتاً إلى أن العملية يمكن أن تبدأ في أي وقت، لينفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد يوم واحد تصريح قالن بقوله: “العملية العسكرية ستبدأ بمجرد استكمال التجهيزات”، هذه التصريحات المتضاربة أثارت إشارات استفهام حول مصير التهديد التركي وحجمه، لا سيما بعد عدة مستجدات شهدتها جبهات الشمال السوري، كالتعزيزات العسكرية الروسية والسورية التي وصلت إليها وتأكيد كل من إيران وروسيا على رفضهما القطعي للعملية، إلى جانب الاشتباكات التي شهدتها مناطق سيطرة أنقرة في ريف حلب الشمالي بين فصائل أنقرة و”جبهة النصرة”.
في هذا الصدد نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” مقالاً حول مآلات الوضع الميداني بشكل عام في سوريا، تناولت خلاله التأثير الذي يمكن تُحدثه العملية التركية إن حصلت، فقالت:
“جميع الأطراف متفقة ضمناً على استمرار ما يشبه حالة هدوء نسبي على الجبهات، لا تغيِّره اشتباكات أو قصف هنا أو هناك، ولا تقلبه حتى خطة حرب تركية بعملية واسعة ضد قوات سوريا الديمقراطية- قسد التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في الشمال الشرقي، خصوصاً بعد أن شرح الأتراك بعض محتوياتها، فقالوا إنها حرب من مراحل، ويبدو أن قسماً منها سيكون موارباً، فيأخذ شكل عمليات استخبارية في بعض المناطق ذات الأهمية البالغة للأتراك”.
وبالدخول أكثر في تفاصيل العملية التركية ومآلاتها، نقلت “القدس العربي” عن المحلل السياسي محمد السكري، قوله: “بتقديري لا يخرج تصريح المتحدث باسم الرئاسة التركي عن إطاره السياسي كونه خرج عن جهة سياسية وعلى المستوى الفني في الرئاسة، ومن الواضح أن هناك صعوبة لجهة تنفيذ العملية العسكرية بعد الفيتو الأمريكي، والروسي المشترك، رغم امتلاك تركيا أوراق جديدة لكنها ما زالت غير كافية لتحويلها لمكسب عسكري”.
فيما اهتمت صحيفة “الأخبار” اللبنانية بالاشتباكات التي حصلت مؤخراً بين “جبهة النصرة” وفصيل “الجبهة الشامية” التابع لأنقرة وعلاقتها بالعملية التي تهدد بها أنقرة، حيث نشرت:
“الاشتباكات الدموية التي تتكرّرت بشكل دائم في مناطق سيطرة الفصائل المدعومة تركيّاً، جاءت هذه المرّة بعد أسابيع قليلة من إعلان أردوغان، نيّة بلاده بإنشاء منطقة آمنة، جديدة في الشمال السوري بعمق 30 كيلومتراً، وضمّها إلى سلسلة المناطق التي سبق للجيش التركي تنفيذ عمليات عسكرية فيها، ومن بينها عفرين، نموذج (المناطق الآمنة)، وتقول تركيا، في خطابها الرسمي، إن الغاية من (المنطقة الآمنة) تحقيق الاستقرار الأمني، والحفاظ على وحدة الأراضي، وتشجيع عودة اللاجئين السوريين بشكل طوعي، والبدء بإعادة الإعمار”، وأضافت الصحيفة في هذا الصدد أنه “بعد انصياع النصرة إلى أنقرة بالكامل، وتحوّلها إلى سلاح ضارب بيدها، فضلاً عن انفتاح الولايات المتحدة على هذا الفصيل، وإنشاء علاقات استخباراتية تزداد قوّة مع مرور الوقت، ضمن هذا السياق، جاء التمدّد الأخير لزعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، إلى مناطق في ريف حلب الشمالي، بعد اندلاع معارك بين فصائل تسيطر على تلك المناطق نتيجة خلافات على النفوذ والولاءات”، لافتة إلى أنه في غضون بضعة أيّام فقط، تمكّن “الجولاني” من فرْض نفسه في مناطق سيطرة الفصائل، ليلعب دور ضابط أمن أنهى المواجهات المسلّحة بين الفصائل، وأبقى على وجوده في بعض المناطق التي دخلها في محيط عفرين، بمباركة تركية واضحة، حيث أكدت الصحيفة أن “ما سبق ذكره، خطوة متقدّمة في مشوار توحيد مناطق النفوذ التركي، والتخلّص من عبء الفصائل المتحاربة، كما يمهّد الأرضية لاستكمال عمليات بناء وحدات سكنية لتوطين لاجئين سوريين، عبر إنشاء حزام سكني على الشريط الحدودي السوري مع تركيا، يضمن للأخيرة إبعاد الأكراد من جهة، وإنشاء موطئ قدم دائم لها في المنطقة”.
يبدو أن التحليلات باتت تتجه إلى التشكيك بجديّة التهديدات التركية بشن عملية شمالي سوريا، والحديث عن خطط تركية استخباراتية قد تحقق أهداف أنقرة بعيداً عن العمل العسكري الضخم، حيث يشير المختصون إلى أنه لا يمكن استبعاد هذه التحليلات وسط الضغوط التي تمت ممارستها على أنقرة من حلفائها المشتركين مع سوريا (روسيا وإيران) سواء كان سياسياً وعسكرياً، والتي أكدتها تسريبات عديدة نشرتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية، كما يمكن الاستدلال عليها عبر قراءة عميقة للتصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولي هذه الدولة.
أثر برس– زهراء سرحان