خاص|| أثر برس أثارت التصريحات التي صدرت عن وزيري الخارجية السوري فيصل المقداد والإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارة الأخير إلى دمشق، العديد من إشارات الاستفهام، وذلك نظراً إلى المرحلة المتقدمة التي انتقل إليها الجانبين بحديثهما عن العلاقات التي تجمعهما، حيث قال عبد اللهيان: “إن العلاقات بين سوريا وإيران دخلت مرحلة جديدة في كافة المجالات، بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الأسد إلى إيران”، كما أكد المقداد، أن “هذه الزيارة هامة جداً وتأتي بعد تطورات محلية وإقليمية ودولية كثيرة”.
بحسب الخبراء فإن المجالات التي تحدث عنها عبد اللهيان في حديثه، تشمل الاقتصاد والسياسة والدفاع وغيرها، وعلى الصعيد السياسي، ذهبت إيران للحديث عن ملف وُصف بأنه شديد التعقيد، مشيرة إلى أنها قد تكون عرّابته مستقبلاً، حيث أعلن الوزير الإيراني ولأول مرة بشكل صريح عن نية بلاده لتقريب وجهات النظر بين سوريا وتركيا، وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي الدكتور أحمد الدرزي، في حديث لـ “أثر”: “ربما تحاول طهران أن يكون هناك توافقات على المستوى الأمني بالدرجة الأولى لأن أي مصالحة لا يمكن أن تبدأ من المستوى السياسي وإنما تبدأ من القاعدة الحقيقية للصراعات فيما بينهما وهي القاعدة الأمنية ومن ثم القاعدة العسكرية وبعدها يمكن الانطلاق إلى القاعدة الديبلوماسية على مستويات متعددة وصولاً إلى اجتماع الرئيسين ولكن هذا الأمر معقّد جداً وتركيا ليست في وارد الآن الذهاب إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع سوريا”، الدرزي أشار إلى أن المرحلة الحالية من الصعب جداً الوصول إلى توافق بين الطرفين نتيجة عدم توفر الظروف الإقليمية والدولية بعد لتحقيق هذا التقارب.
وفي تفسير آخر، لفتت صحيفة “الأخبار” اللبنانية في مقال تحليلي إلى أن “طهران، في الغالب، تريد استغلال التطورات الحالية في الشمال السوري، للحصول على إجراءات من كلا البلدين، يمكن التأسيس عليها لاحقاً، من خلال طرحها لتطبيق اتفاقية أضنة بين البلدين، والتي ستؤدي إلى نشْر الجيش السوري في المناطق المهدَّدة بالهجوم، وهو ما سيبدّد، في حال حصوله، كل المخاوف الأمنية التركية، ويكون الأساس الذي يمكن البناء عليه لاتخاذ خطوات لاحقة”، مشيرة إلى أنه “لا يمكن إغفال أن المبادرة الإيرانية قابلة للعرقلة الأمريكية في أيّ لحظة”.
تصريح عبد اللهيان حول جهود إيرانية لتحقيق تقارب بين تركيا وسوريا، تزامن أيضاً مع الحديث عن وساطة إيرانية للوصول إلى تفاهم بين الدولة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية-قسد”، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “الأخبار” اللبنانية، وفي هذا الصدد، أشار الدرزي إلى أن ثمّة أشياء تميّز الوساطة الإيرانية عن الروسية ويزيد فرص نجاحها، حيث قال: “ميزت الوساطة الإيرانية أنها جزء من نسيج المنطقة ولديها نفس الإشكالات التي ترتبط بتاريخ المنطقة وتداخلات شعوبها وسياساتها، والكرد هم جزء أساسي من النسيج الاجتماعي لإيران لذلك تنطلق إيران من مبدأ أن العلاقة أو التعامل مع المسألة الكردية هو جزء من أمنها القومي ولا يمكن أن تسمح باستثمار مسائل التنوع القومي لأنها بلد متعدد القوميات والاستثارة القومية التي يلعب عليها الغرب، لذلك أعتقد أنه، إن لم يكن في المرحلة الحالية وإنما في المرحلة القادمة قد يكون الدور الإيراني في التقريب ما بين “قسد” ودمشق ذات بعد أكبر وأكثر عمقاً لأنه يرتبط بمصالح الجميع ويمكن أن يكون هناك تعاون ما بين موسكو وطهران في مسألة شمالي سوريا في إيجاد قاسم مشترك وحل وسط ما بين دمشق المركزية و”قسد” للوصول إلى منتصف الطريق بما يحمي مركزية الدولة السورية في مواجهة قوى إقليمية ويحفظ أيضاً “لامركزية الإدارة” في سوريا ككل والشمال السوري”.
أما فيما يتعلق بالمجالات الأخرى، فيطفو الوضع الاقتصادي على السطح مباشرة، نظراً لعاملين، الأول: هو التطورات الدولية التي أجبرت كافة دول العالم إثبات نفسها كقوة اقتصادية مؤثرة، والثاني: هو الوضع الاقتصادي السيئ المنتشر في سوريا، والذي تسبب بانتشار أزمات متعددة على صعيد الغذاء والسكن والمحروقات، وعلى هذا الصعيد سبق أن تم الحديث عن الانتقال إلى مرحلة جديدة في التعاون الاقتصادي بين البلدين، وذلك بعد زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران وتم حينها توقيع مرحلة جديدة من الخط الائتماني السوري-الإيراني، حيث تزامن وصول عبد اللهيان إلى دمشق مع وصول قافلة محروقات إيرانية جديدة إلى ميناء بانياس.
أما على الصعيد الدولي، فلا يمكن تجاهل تزامن هذه الزيارة مع تطورات دولية والحديث عن تحالفات عسكرية قد تُخلق في المنطقة، الأمر الذي أشار إليه الوزير المقداد، بقوله: “هذه الزيارة هامة جداً وتأتي بعد تطورات محلية وإقليمية ودولية كثيرة” وتعقيباً على هذا التصريح قال المحلل السياسي أحمد الدرزي: “هذه الزيارة مهمة بسبب طبيعة التطورات المتصاعدة على مستوى منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا وعلى المستوى الاستقطاب بين الدول الكبرى، حيث تشكّل روسيا والصين والهند وإيران تحالفاً غير معلناً عنه لمواجهة
تحالف الاستقطاب الأمريكي ومن حوله دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى القاعدة العسكرية التي تسمى “إسرائيل” هذا الاستقطاب بين الطرفين بعد الحرب في أوكرانيا ترك آثاره الواضحة على توجهات السياسة الأمريكية لإعادة الاهتمام بالشرق الأوسط وإعادة تشكيله وصياغته من جديد لإغلاق هذه المنطقة على كل من روسيا والصين بالدرجة الأولى والإغلاق أيضاً على إيران التي تعتبر جوهرة الجغرافيا بمنطقة آسيا بالعلاقة بين كل هذه الدول الكبرى”، مشيراً إلى أنه “انطلاقاً من هذا الواقع فإن ما يحصل الآن على مستوى الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن، والحديث عن توقيع اتفاق استراتيجي من الناحية الأمنية العسكرية بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية يعبر عن حجم التهديدات والمخاطر خاصة أننا نرى طبيعة ترتيب العلاقات على مستوى المنطقة مختلف عن سابقه”.
بحسب المختصين فإن زيارة وزير الخارجية إلى سوريا والحديث عن الانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات والتحالف بين الجانبين، يأتي من جهة ضمن جملة من التحركات الإيرانية السياسية والعسكرية التي تقوم بها في المنطقة، ومن جهة أخرى يأتي في الوقت الذي باتت فيه سوريا بحاجة إلى دعم جدي وعلني في كافة الأصعدة، من قوة مؤثرة في العالم، بعدما باتت على مشارف الانضمام إلى الأزمات الدولية المنسية، وبالتالي فإننا فعلاً قد نكون أمام حضور إيراني أكبر وأوسع في سوريا وعلى كافة الأصعدة، وقد يجعل هذا الحضور إيران عرّابة الحل في سوريا.
زهراء سرحان