في الوقت الذي يجري فيه الكشف عن تفاصيل المحادثات بين أجهزة المخابرات التركية والسورية، تجدد أنقرة تهديداتها بشن عملية عسكرية شمالي سوريا، مؤكدة أنها لم تتراجع بعد عن هذا الخيار، وجاء ذلك على لسان وزير دفاعها خلوصي آكار، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون.
وقال ألطون: “إن تركيا هي من تحدد متى ستقوم بعملية عسكرية جديدة ضد الإرهاب في سوريا”، وذلك خلال لقاء أجراه مع صحيفة “Aftenposten” النرويجية.
وحول غياب الضوء الأخضر الروسي لهذه العملية قال ألطون: “من الطبيعي عدم تطابق وجهات النظر بين الجانبين في كافة القضايا بصفتهما دولتين ذات سيادة، رغم العلاقات الجيدة في مجالات عديدة”.
وأشار في الوقت ذاته إلى أنه من الممكن أن تكون لدى الطرفين مقاربات مختلفة حول طبيعة الأزمة على الأرض في سوريا وسبل الحل المحتملة، لافتاً إلى أن “بعض المشاورات تجري بين الدول المعنية، لكن في نهاية المطاف أي خطوة ستقدم عليها تركيا ليست مرتبطة بإذن أو موافقة أحد”.
أما وزير الدفاع التركي خلوصي آكار المقرّب من واشنطن، فأكد أن “الحرب ضد الإرهاب في شمالي سوريا ستستمر وسنقوم بكل أنواع التدخل دون تردد، نحن مصممون على القيام بما هو ضروري عندما يحين الوقت، أياً كان التدخل المطلوب لحماية بلدنا وأمتنا وحقوقنا ومصالحنا، بغض النظر عمن يقف أمام المنظمات الإرهابية أو خلفها، لا يهمنا كثيراً، نحن مصممون على القيام بكل ما يجب القيام به عندما يحين الزمان والمكان، ونحن مصممون على ذلك، يجب أن يُفهم هذا من قبل الجميع، لقد قلنا مراراً وتكراراً في كل مناسبة وبصراحة وتفصيل، وسنقوله، لا يمكننا أبداً أن نظل غير مبالين، نواصل عملياتنا، وسنواصل”.
التهديدات التركية تتزامن مع الكشف عن تفاصيل اجتماع عُقد بين رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، ومدير الاستخبارات التركية حقان فيدان، في موسكو، حيث نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادرها أن المطالب السورية تضمنت: “احترام السيادة السورية، ووضع جدول زمني للانسحاب التركي من الأراضي السورية، ووقف دعم الجماعات الانفصالية، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل مدعومة من تركيا منذ 2015، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب، وفتح طريق “M4” الذي يمتد من حدود البحر المتوسط غرباً إلى العراق شرقاً، ومساعدة دمشق على تخطي العقوبات الغربية (كما تفعل تركيا مع العقوبات ضد روسيا)، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، والمساهمة في إعمار سوريا، ومساعدة دمشق على استعادة السيطرة على الثروات الطبيعية من نفط وغاز وزراعة شرق الفرات”، أما مطالب تركيا، فتشمل: “عمل جدي ضد حزب العمال الكردستاني، وجناحه السوري وحدات حماية الشعب الكردية، والتعاون بين أجهزة الأمن في البلدين، ومفاوضات مع المعارضة السورية المدعومة من تركيا للوصول إلى تسوية سياسية، وعودة اللاجئين السوريين، وإنشاء مناطق آمنة في حلب ومناطق أخرى شمالي سوريا بعمق 30 كم، ومساعدة وتسهيل عمل اللجنة الدستورية السورية”.
يشير الخبراء إلى أن التصعيد الميداني التركي أو التهديد بخصوص شن عملية عسكرية شمالي سوريا قد يكون أحد أدوات التفاوض بين الجانبين، حيث أفادت مصادر عسكرية لـ “أثر” بأنه لا يوجد في جبهات الشمال السوري أي بوادر لشن عملية عسكرية تركية، وكذلك يؤكد محللون وديبلوماسيون أتراك أن أنقرة بحاجة في هذه المرحلة للتقارب من دمشق، حيث نقل سابقاً موقع “المونيتور” الأمريكي عن دبلوماسي تركي متقاعد متابع لهذا الملف قوله: “تركيا مقتنعة بأن الحوار مع دمشق أصبح حتمياً في عدة قضايا مثل المشكلة الأمنية في شمال سوريا وعودة اللاجئين”، مشيراً إلى أن “الخطوات التي يجب اتخاذها واضحة، لكن طريقة عمل أولئك الذين من المفترض أن يضعوها موضع التنفيذ تثير شكوكي”، كما أعرب زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجتي، الذي غالباً ما أثر في قرارات أردوغان، عن أمله “في التطبيع مع جميع الجيران بحلول عام 2023، عام الانتخابات الحاسمة في تركيا”، وكذلك قال قال المحلل السياسي التركي باكير أتاجان، في لقاء متلفز على قناة “الحرة” الأمريكية: “إن هناك تغييرات كثيرة على المستوى الإقليمي والدولي دفعت تركيا لاتخاذ هذه الخطوة”، موضحاً أن “تركيا لا تستطيع أن تعيش بعيداً عن هذه المتغيرات وخاصة مع الدول المجاورة، فأنقرة وجدت أن علاقاتها مع دول الجوار لم تكن بالمستوى المطلوب وأنها منغلقة على نفسها وبالتالي رأت ضرورة الانفتاح مع هذه الدول، سواء اليونان وروسيا وأوكرانيا والإمارات والسعودية والعراق وإسرائيل وسوريا بالتأكيد”.
أثر برس