خاص || أثر برس تشتكي أم محمد التي دخلت العقد السادس من عمرها من نقص المواد الأساسية ومياه الشرب في “مخيم الصوامع” الذي أُقيم في بلدة “الصور” في ريف دير الزور الشمالي من قبل “قوات سورية الديمقراطية”، أثناء القصف الأمريكي على مناطق ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، خصوصاً بلدة باغوز فوقاني التي كانت آخر معاقل تنظيم “داعش”، وتقول خلال حديثها لـ “أثر برس“، إن سيارات الإغاثات والمساعدات التي تمر باتجاه مخيمات ريف دير الزور الشمالي الغربي، تمر بالقرب من مخيمهم دون أي اكتراث بمصير قاطني الخيام المبنية مما تيسر من أقمشة.
موت بطيء..
بعض قاطني المخيم ينتقلون بخيمتهم منذ ثلاث سنوات من منطقة إلى أخرى، وتقول “أم محمد” إن التسول بات وسيلتها الوحيدة للحصول على وجبة الغذاء لأحفادها الستة وبناتها الاثنتين اللواتي بقين معها بعدما فقدن أزواجهن نتيجة للقصف، مضيفة: “إلا أن الناس هنا أيضا محتاجة، وما أحصل عليه من أهل الخير لا يكفي لسد الرمق”، وتنقل العجوز مع ابنتيها مياه الشرب من بلدة الصور إلى الخيمة المهترئة التي تعيش فيها إلى جانب نازحين آخرين ممنوعين من العودة إلى قراهم الأصلية بقرار من “قسد”، بحجة التخوف من عودة ظهور تنظيم “داعش”.
“أم منصور” التي تربي خمسة أطفال دون سن التاسعة من العمر، فقدت زوجها أيضاً بعد خروجهم من قريتهم التي كانت تتعرض للقصف خلال شهر كانون الأول من العام الحالي، إذ اعتُقل زوجها الذي كان يعمل برعي المواشي على أحد حواجز “قسد” بتهمة موالاته لتنظيم “داعش”، وفي حين أنها لا تعرف عن زوجها أي معلومة منذ اختطافه، إلا أنها تعمل ضمن الأراضي الزراعية مقابل أجر لا يتجاوز 500 ليرة في اليوم الواحد، لتطعم أطفالها الذين إن مرض أحدهم فلن تقدر على معالجته، وقد احتاجت في إحدى المرات لمراجعة طبيب أطفال، إلا أنها لم تقدر إلا على اللجوء لصيدلي في بلدة الصور “تحنن عليها بالدواء مجانا”، وتقول: “الخيمة التي أسكنها لأحد أبناء عمومتي، لا أعرف متى يمكن أن يطلب الخيمة مني وسأكون ملزمة بالسكن في العراء، فلا أجار البيوت ممكن، ولا ثمن الخيمة رخيص”.
وتصف المرأة التي دخلت عقدها الثالث من العمر، إن ما يشهده “مخيم الصور”، هو عملية موت بطيء بحق قاطنيه الذين يقدر عددهم بحوالي الألف مدني، ومن الغريب أن “قوات سوريا الديمقراطية” أو “المنظمات الإنسانية”، التي تمر بالقرب منهم لا تدخل إلى المخيم ولو لمجرد الاستفسار عن الأحوال التي يعيشونها، وتؤكد أن غالبية من يقطنون في هذا المخيم المنسي، منعوا من الدخول إلى المخيمات النظامية المقامة بالقرب من بلدتي “أم مدفع – أبو خشب”، في ريف دير الزور الشمالي الغربي.
المخيمات.. ليست أفضل
داخل مخيمي “أم مدفع و أبو خشب” الواقعين ضمن منطقة شبه صحراوية، يوجد ما يزيد عن 4000 شخص، تمنعهم “قوات سوريا الديمقراطية” من المغادرة إلى مناطقهم الأصلية على الرغم من عدم ارتباط أي منهم بتنظيم “داعش” بأي شكل كان، فكل من يسكن هذين المخيمين هرب من قصف على ريف دير الزور أو الرقة، من قبل “التحالف الأمريكي” قبل أن تصبح مناطقهم تحت سيطرة “قسد”.
المساعدات الإنسانية التي تصل إليهم منقوصة لا تكفي حاجاتهم الشهرية من الغذاء، وما يضحك “أبو عادل”، أن من يسرقون محتويات “كرتونة المساعدات” يتركون قائمة المواد بداخلها، وكأنهم يقولون للنازح: “سرقنا طعامك وإضرب رأسك بالجدار”، لكن السخرية تأتي من عدم وجود جدران يمكن أن تقي النازحين من حر الصيف أو زحف الأفاعي بين الفرشات المهترئة التي ينام عليها سكان المخيمين، وللشتاء قسوته بالسيول والأمطار الغزيرة التي تجعل من الحياة في المخيم لسنة رابعة أمراً شبه مستحيل، لكن لا خيار أمام المدنيين.
يستغرب الرجل الذي عبر عتبة الخمسين من عمره المعاملة السيئة التي يلقاها سكان المخيمات من قبل عناصر الحراسة على الرغم من أن غالبيتهم من سكان المنطقة، ويقول: “إن أصعب ما يمكن أن يمر بالإنسان هو المذلة من أجل لقمة خبز يطعمها لأولاده، وبعد الذل على “الدور” يصلنا الخبز يابساً، والماء مغلياً بدرجة الشمس، وغير مسموح لنا بالعمل بأي مهنة خارج المخيم، وحياتنا باتت رهن قرارات قسد”.
“داعش” المدلل
خلال الشهر الماضي سمحت “قوات سوريا الديمقراطية” لما يقارب 1300 شخص بمغادرة “مخيم الهول” في ريف الحسكة الشرقي نحو مناطقهم الأصلية في ريف محافظتي دير الزور والرقة، وآخر الدفعات التي خرجت من هذا المخيم يوم الخميس الماضي، ضمن 200 شخص انتقلوا إلى بلدة “الصور”، بريف دير الزور الشمالي كخطوة أولى لإعادتهم لقراهم بريف دير الزور الجنوبي الشرقي، لكن المفارقة إن كل من سمح بخروجه من “مخيم الهول”، هم من عوائل تنظيم “داعش”.
وتأتي إعادة توطين عوائل مسلحي التنظيم في مناطقهم الأصلية على الرغم من المخاوف الأمنية التي تطلقها “قسد”، عبر وسائل الإعلام فيما يخص عودة ظهور “داعش”، وما يثير السخرية أنها تحتجز المدنيين في مخيمات أشبه بالمعتقلات، في حين تقوم بإعادة العوائل الأكثر تطرفا إلى المناطق التي خرجت منها وفقاً للاتفاق الذي تم مع تنظيم “داعش” والذي أفضى بدخول “قوات الاحتلال الأمريكي”، و”قسد”، كامل مناطق الضفة الشرقية لنهر الفرات.
محمود عبد اللطيف – دير الزور