خاص || أثر برس على وقع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، وعدم تناسبها طرداً مع دخل الشريحة الأكبر في المجتمع، بات الاحتفال بليلة رأس السنة لمن استطاع إليه سبيلاً، خاصة أن معظم الطرق إلى اللحوم بنوعيها الأحمر والأبيض، باتت مقطوعة بعد أن أصبحت أسعارها نار كاوية.
وكما اعتاد السوريون على اختراع الحلول البديلة والتماشي مع الظروف الراهنة، ابتكر عدد من أهالي طرطوس حيلاً عدة وأطعمة بديلة تحضر على مائدة الاحتفال في غياب اللحوم البيضاء والحمراء التي باتت حكراً على ميسوري الحال وذوي الطبقة المخملية.
حيل إبداعية بنكهة اللحم:
فاتن (موظفة وأم لثلاثة أطفال) تقول لـ”أثر”: شراء فروج أو سمك أو لحم غنم أو عجل، بات ضرباً من المستحيل، فالأسعار نار ولا استطاعة لنا على تحمل هذه النفقات التي يوجد هناك أشياء ضرورية أكثر منها، وتضيف: احتفال بليلة راس السنة يمر بأقل التكاليف إذا استطاعت ربة المنزل تدبر أمرها، كاشفة أنها ستستبدل اللحوم بـ”باربكيو” من نوع آخر لا يحتوي أياً منها إطلاقاً، وإنما يتألف من مشاوي بصل وبطاطا وبندورة، مع الخبز المحمّص والفليفلة “الحدّة”، إلى جانب السلطات أو التبولة.
في جعبة أم أيهم (ربة منزل) حيلة أخرى، مستخدمة منتج يعرف باسم “بديل اللحمة”، شارحة: هو عبارة عن فول الصويا مع بهارات خاصة لها طريقة تحضير معينة، أستطيع من خلالها إعداد عدة أكلات تجعل الذي يتذوقها يشعر أنه يأكل حقاً لحم، مبينة أنها ستستخدم بديل اللحمة لتحضير المحاشي والصفائح، والتي ستكون الأطباق الأساسية على مائدة الاحتفال التي ستجمع العائلة لاستقبال العام الجديد بـ”لمة العيلة”، على حد تعبيرها.
وأضافت أم أيهم: بديل اللحمة سيجعل الجميع، خاصة الأولاد، يعتقدون أنهم أكلوا اللحم، بينما هم لم يتناولوا منها سوى رائحتها التقليد، وتتابع: خدعة بسيطة لتمرير الاحتفال مع رائحة اللحوم بأقل الخسائر الممكنة.
وبحسبة بسيطة تشير إلى أن تكلفة استخدام بديل اللحم لا يتجاوز 30000 ل.س، فيما يتراوح سعر كيلو اللحم بين 40 – 45 ألف ل.س، وشرحات الفروج بين 25-27 الف ل.س.
ولا تقتصر الحيل التي تسلّحت بها بعض السيدات للتحايل على رأس السنة، بما سبق، ففي جعبة عليا (موظفة) حيلة “كباب العدس” الخالية تماماً من اللحمة، لكنها تشبه كباب اللحم، مبينة أنها تتألف من عدس وبصل وطحين وبقدونس وبطاطا، ولتعطي رائحة اللحم ونكهته الخادعة فإنه يلزم الفحم الذي يقوم بهذه المهمة بنجاح.
موالح وفواكه:
وبين الحيل التي يتم إعداد العدة لها منذ الآن، يقول ماهر (موظف وأب لخمسة أطفال): “لم تعد الميزانية الشهرية تكفي للطعام والشراب وحاجات الحياة الأساسية، حتى نفكر ماذا سننفق لاحتفال رأس السنة”، ويضيف: “لن نحتفل هذا العام وليكن يوماً عادياً كغيره من الأيام، لكن من أجل الأولاد سأشتري الفواكه والموالح ولنحتفل هذا العام “ع الضيق”، عسى أن يتحسن الوضع المعيشي العام القادم ويصبح بالإمكان الاحتفال بما لذ وطاب”.
إعاضة للشعور بالسعادة
بدورها، بينت الباحثة الاجتماعية رنا إسماعيل لـ”أثر” أن المواطنين باتوا يلجؤون إلى هذه الحيل للتعويض عن فقدانهم للحوم الحمراء والبيضاء بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها، من باب أن الحاجة أم الاختراع، وحاجة السوريين إلى الاحتفال بليلة رأس السنة كتقليد سنوي موروث، جعلهم يبحثون عن بدائل للحوم التي باتت خارج إمكانيات الشريحة متوسطة الدخل.
ورأت إسماعيل أن هذه الحيل التي يتم ابتكارها للحصول على مذاق شبيه باللحم، تعرف باسم الإعاضة، حيث يقوم الشخص بشراء ما يقدر عليه لتعويض ما لا يقدر على شرائه بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وهي حيل تحقق السعادة للأشخاص الذين يستخدمونها.
صفاء علي – طرطوس