خاص || أثر برس شرقية الأصل غربية الهوى.. هربت من الحرب وأثبتت وجودها في كل الشوارع.. فالمار من أمامها يتنشق رائحة تعيد له ذكريات قد لا تحضر دائماً.. هي مهنة تركيب العطور في سوريا التي مازالت محافظة على أوجها وعلى مكانتها بين المهن الأخرى.
“روائح العطور تفوح رغم ما حل بهذا البلد.. بعض الروائح تعيد لنا ذكرياتنا”، عبارة ترددت على لسان أكثر من زبون في محال بيع وتركيب العطورات عند سؤالهم عن أسباب إقبالهم المستمر على شراء المادة في خضم الوضع المعيشي المتردي.
تقليد أم أورجينال !
تنتشر محال تركيب العطور في سوريا بشكل كبير، وعدا عن أن المهنة اليوم امتداد تاريخي لماض عريق في هذه الصنعة، إلا أنها باتت تعتمد في عطرها المركز (الأصنص) على شركات غربية تنتج عطوراً عالمية يستوردها الباعة لإنتاج عطور ذات مواصفات عالمية، بحسب ما وصفها “أمين” أحد العاملين في المهنة بحديث مع “أثر”.
ويشير في حديثه إلى أن نسبة كبيرة من الزبائن باتت تتجه لشراء العطور المركبة والتي هي وبإجماعهم، أرخص من الأورجينال المستوردة، وبرأي “أمين” حتى الناس البسطاء لهم الحق في التعطر فيكون تركيب العطر هو الحل المعقول.
أما عن الأسعار وفي لمحة بسيطة يقول: “يبدأ سعر العبوة الصغيرة من 4 آلاف ليرة سورية، ويزداد السعر بازدياد حجم العبوة ويتدرج حتى 10 آلاف”.
ولأن أسعار العطور العالمية الأورجينال مرتفعة جداً، قام “أبو جواد” بافتتاح محله لتحضير العطور بالاعتماد على النماذج الأجنبية لمراعاة أذواق الجيل الجديد ولتقديمها له بأسعار رخيصة نسبياً وبجودة عالية.
وعن العطور العالمية يشرح لـ”أثر” أن الشانيل المركب في سوريا يبلغ سعرها 20 ألف تقريباً، ويوجد أنواع عطر أخرى مرتفعة السعر ولها زبائنها، فأغلى نوع عطر يبيعه في محله يصل سعره لحدود الـ70 ألف ليرة سورية.
وهنا أوضح أن تركيب العطور يحتاج بعض الفن في النسب قد تزيد نسبة عن الأخرى فتختلف الرائحة، وكل عطر يجب أن يوضع بنسبة معينة لأن هناك عطوراً معينة رائحتها لاذعة يستوجب تخفيف لذعتها، وأخرى خفيفة يجب إضافة بعض المستحضرات لإعطاء نتيجة مقبولة منها.
الزجاجات المشهورة مصدر ربح:
“أبو ياسر” يعمل في هذه المهنة منذ حوالي عشرين عاماً يقول إن أرباح عمله تأتي إضافة إلى عملية تركيب العطور المختلفة من بيع زجاجات العطر ذات الماركات المشهورة، والتي كما يقول يعاد بيعها بعد شرائها من زبائن يبيعونها بأسعار بسيطة، مشيراً إلى أنه لا يتعامل ببيع الماركات الشهيرة المستوردة وخاصة أن زبائنها محددين نظراً لأسعارها المرتفعة.
أما العقبات..!
عماد عقاد، حرفي تركيب عطورات في منطقة البزورية بدمشق القديمة، يعمل في المهنة منذ 50 عاماً يقول لـ”أثر”: نقدم للزبون السوري منتج يضاهي الأجنبي وبسعر مقبول فمثلاً عبوة الجفينشي التي تباع في الخارج بـ130 دولار.. نبيعها بحوالي 5 لـ10 آلاف بفارق بسيط هو مدة التخمير فقط، لكن الرائحة نفسها”.
ويعقب هنا أن كل ما يدخل بصناعة العطر مستورد ولذلك ارتفعت الأسعار، متابعاً: نحن نحضر الزيت من أوروبا ونقوم بتركيزه محلياً وهذا يوفر على جيبة المواطن، فنبيعه الزجاجة بكلفة 5 – 10% من تكلفتها الأصلية، مضيفاً: “سنوياً يصلنا حوالي 800 نوع عطر جديد”.
فبمرور الزمن أصبحت محلات تركيب العطور لها ثقلها في السوق فهي تمتاز بوجود كل أنواع العطور في أي وقت وبتكلفة مقبولة، إلا أن التفاوت بالأسعار لنفس نوع العطر يمكن رصده بشكل واضح، فمثلاً عبوة العطر المركب من محل شهير في دمشق القديمة وله عدة أفرع في سوريا (م، ذ)، تكون أغلى بأضعاف من محل آخر قد يكون في نفس المنطقة.
وعلى الرغم من تنامي اعتناء الغرب بصناعة العطور وتطويرها وتصديرها نجد أن العطور التي تستخرج بشكل طبيعي (أي غير صناعي) ما تزال تعطي السوق الدمشقي فالسياح الأجانب يرغبون العطور الشامية أو الشرقية كالوردة الشامية والفل والياسمين والنرجس والبنفسج والزنبق الشامي المشهور بجودته ورائحته، علماً أن سوريا تعد من الدول التي تمتلك قائمة طويلة من الأعشاب العطرية تجعلها من أوائل الدول المنتجة للعطور في حال تم استثمارها بشكل جيد.
غنوة المنجد