خاص || أثر برس لم تكن الضربات الجوية التي تعرضت لها حراقات النفط المنتشرة في مناطق ريف حلب الشمالي التي تحتلها تركيا، سوى رسالتين متطابقتين كتبتا بالنار من دمشق إلى كل من “قسد”، والحكومة التركية، فعلى الرغم من حالة العداء المفترض بين الطرفين إلا أن سلسلة من العمليات التجارية تجمع بينهما، ولم تتوقف عمليات التهريب من المعابر الواقعة بين مناطق انتشارهما إلا بشكل مؤقت خلال العدوان التركي الذي أفضى لاحتلال عفرين العام الماضي، ومع بداية العدوان التركي الذي يحمل حالياً مسمى “نبع السلام”.
تعتمد “قسد”، على رفد خزينتها بعائدات تهريب النفط والحبوب إلى الأراضي التي تحتلها تركيا في الشمال السوري، فما تقوم بتهريبه إلى إقليم شمال العراق، تذهب عائداته بمعظمها للخزينة الأمريكية بحجة التسليح الذي تتلقاه “قسد” من واشنطن، بالمقابل تعتمد على شراء الإلكترونيات والغذائيات من الأسواق التركية، ولا يمكن الحديث عن عداء حقيقي بين الحكومة التركية والفصائل الكردية المسلحة، طالما هنالك تبادل منفعة اقتصادية، وعلى ذلك يفهم جلياً تركيا قد يسمح ببقاء “قسد”، في مناطق النفط السوري شرط استمرار التدفق النفطي.
الضربات التي ألمح مصدر رسمي سوري لتبنيها من دمشق، سيسمع صداها في محافظة إدلب، التي تحتلها مجموعة من التنظيمات المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، إذ تعتمد كامل الفصائل الموجودة في إدلب خصوصاً، وعموم شمال غرب سورية، على تهريب المشتقات النفطية من الشرق السوري لتأمين حركة آلياتها، واستمرارية الحياة المعاشية للمدنيين الذين تجبرهم على البقاء تحت سطوتها، وإذا ما أغلقت “قسد” المعابر التي تمر منها قوافل النفط ومشتقاته بأسعار بخسة إلى “جرابلس”، ومنها عبر “عفرين” إلى إدلب، فإن “جبهة النصرة” وحلفاءها سيكونون أمام مأزق فيما يتعلق بتحريك الآليات القتالية في أي مواجهة قادمة مع الجيش السوري، ولا يمكن من وجهة نظر قادة هذه الفصائل الاعتماد على السوق التركية لاستجرار المشتقات النفطية، وذلك بسبب الفارق الشاسع في الأسعار، فعلى سبيل المثال تقوم “النصرة” وغيرها بشراء ليتر المازوت الواحد بـ ٥٦ ليرة سورية من “قسد”، بينما يصل سعره إلى عشرة أضعاف في السوق التركية، ناهيك عن رفض أنقرة لمثل هذا الاستجرار لما سيتسبب به من منعكسات على أسواق المحروقات في أراضيها، خاصة وأن ملف الطاقة يعد من الملفات الأكثر حيوية في حسابات الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.
لم تعلق تركيا على الحادثة، لأنها ستورط نفسها باعتراف بتمويل علني للإرهاب، ففي الحسابات الدولية يعد “حزب العمال الكردستاني” منظمة إرهابية، كما أن أردوغان لن يذهب نحو توريط نفسه أمام الرأي العام التركي باعترافه بالتعامل تجارياً مع من يسميهم بالإرهابيين، وعلى ذلك، استفادت دمشق من جملة من المعطيات لترسل رسالتين “متطابقتين”، لـ “قسد” وأنقرة، مفادهما أن السقف بات منخفضاً، وعلى قسد الالتزام بالخيارات الوطنية ووقف تهريب مقدرات الشعب السوري، أو إن النار ستكون أبلغ رد.
محمود عبد اللطيف