أثر برس

“رجعونا لأيام زمان غصب عنا”.. غياب الكهرباء يعيد “لمّة” العائلة لسهرات رمضان

by Athr Press G

خاص || أثر برس أعاد التقنين الكهربائي الجائر الذي يذهب بالتغذية خمس ساعات ونصف ليعود بها نصف ساعة فقط، لسهرات رمضان طقوسها العتيقة وسحرها المميز بما فيها “لمّة” العائلة والأقارب والأصدقاء والجيران.

على إيقاع حجر النرد وهو يتدحرج على رقعة الطاولة وحماس أحد اللاعبين وهو يصرخ بأعلى صوته “وهي دوشيش”، تتعالى أصوات ضحكات النسوة وهن يقشرّن الفواكه، وتخبر إحداهن الباقيات عن آخر ما سمعت من أخبار فيما تنصت الأخريات في لهفة ليعرفن ما فاتهن.

مشهد عام كان يطغى على سهرات رمضان، التي كان السراج نورها والحكايات تلفازها وأهل الدار أبطالها، وذلك قبل أن يتسلّل التلفاز على مهل إلى البيوت ليقلل من هذه الزيارات والاجتماعات، ويُسكت الحكايات التي تحولت إلى أطراف حديث سريع لا يكاد يبدأ حتى ينتهي على عجل بأقل تفاعل ممكن.

ثم جاء الانترنت مصحوباً بوسائل التواصل الاجتماعي، ليجهز على ما تبقى من “لمّة” حتى داخل العائلة الواحدة، التي بات كل واحد منها يأخذ زاوية في المنزل، ويتنقل بين “فيسبوك” و”واتس آب” وغيرهما من وسائل أجهزت على التواصل الاجتماعي الحقيقي.

أم غدير سيدة ثمانينية، تروي لـ”أثر” عن سهرات رمضان: كل شيء كان في الماضي أجمل من الوقت الحاضر، وأهمه “اللمّة” الحلوة التي كانت تجمع الأقارب والأصدقاء والجيران في سهرات كانت تستمر لساعات الفجر، حيث كان الرجال يلعبون الطاولة أو الشدة، فيما النساء يلعبن “البرسيس”، ويروون آخر ما سمعن من أخبار أو ما جرى معهن، وهن يصنعن الحلويات والمشروبات الباردة والساخنة ويقشرن الفواكه.

وتضيف: أجمل ما كان يميز تلك السهرات، هو الحكايات والنهفات التي كنا نتناقلها فيما بيننا رجالاً ونساء.. تصمت قليلاً أم غدير وكأنها تحاول أن تمسك على الذاكرة العتيقة التي اتقدّت وهي تستحضر الماضي الجميل، لتضيف: كان عمي أبو زوجي ضليع بالحكايات، وكان كل يوم يجمع أولاده وعائلاتهم بالإضافة للأقارب والجيران، ليقص علينا حكاية من حكاياته الشيقة.

تبتسم بألم، وكأنها تحاول أن تحتال على الدمعة بابتسامة مصطنعة، وتكمل: كان عمي حكواتي العائلة، الذي كان يصنع لنا في المنزل الكبير جو أشبه بجو القهوة الشعبية التي كان يجلس فيها الحكواتي كل مساء يقصّ على الحاضرين بطولات الزير سالم وعنترة وغيرهما من أبطال الزمن الغابر، وتستطرد: كان يحكي لنا قصصاً شعبية من تراثنا لا تخلو من عبرة نستخلصها في النهاية.

“رجعونا لأيام زمان غصب عنا”، بهذه الجملة تبدأ ريما “25 عاماً” حديثها عن السهرات التي باتت على ضوء الليدات الخافت الذي يحاكي ضوء السراج والكاز، وتقول: كل يوم نحرص أن نتكلم مع أخوتنا المتزوجين ليحضروا مع عائلاتهم، مساء إلى منزل العائلة، حيث نبدأ بسرد ما جرى مع كل واحد منا، وآخر الأخبار، وسماع آخر النكات، حتى إذا فرغنا من أحاديثنا لعبنا “الشدّة” ومن يخسر نأمره بتنفيذ طلب معين، فيما يستلم أبي وأمي دفة القيادة بتوجيه الأوامر وسرد الذكريات عن الأيام الخوالي، وأن انقطاع الكهرباء الطويل أعاد للعائلة الحميمية التي افتقدتها بسبب الكهرباء والانترنت.

وأضافت ريم: صحيح أننا منزعجون لانقطاع الكهرباء الطويل، وانتهاء شحن الموبايلات وفصل بطارية الراوتر وغياب تغطية السيرف مع غياب الكهرباء، وعدم تمكنّا من متابعة الكثير من المسلسلات التي نسمع عنها عبر صفحات التواصل الاجتماعي إلا أن عدم وجود كهرباء جعل سهراتنا أحلى وأكثر متعة، وتكمل: ليس هناك أجمل من “لمة العيلة”.

صفاء إسماعيل

اقرأ أيضاً