خاص|| أثر برس قال “بنيامين نتنياهو” إن “الجيش الإسرائيلي” عثر على أسلحة روسية حديثة في مواقع لـ حزب الله في جنوب لبنان. (تصريحات، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2024). هذا ليس خبراً عادياً في سياق الحرب الدائرة اليوم، بل هو رسالة موجهة لروسيا كونها “مصدر السلاح”، ولسوريا كونها “مزوداً” مباشراً أو غير مباشر بالسلاح لـ حزب الله. تقرأ “إسرائيل” ذلك بوصفه تهديداً لها. وتريد الإشارة إلى وقائع مؤثرة، وتتطلب -من منظورها- استجابة مناسبة لها.
يحدث ذلك، على الرغم من أن موسكو لا تقدم السلاح للحزب، وغير معروف عنها الاهتمام بتسليحه أو تعزيز “المقاومات” ضد “إسرائيل”.
بل لعل الأمر خلاف ذلك، إذا أخذنا بالاعتبار ما يقال عن “تفاهمات” بين روسيا و”إسرائيل” حول “وجود إيران” في سوريا، بكل ما يعنيه ذلك من “سكوت روسيا” عن هجمات إسرائيلية متكررة ضد قواعد ومخازن أو مصانع أو إمدادات أسلحة إيرانية إلى حزب الله.
وقد يحيل إعلان “إسرائيل” وجود أسلحة روسية حديثة لدى حزب الله إلى “تغير ماثل” أو “محتمل” في مدارك “إسرائيل” حيال روسيا. تريد “إسرائيل” ممارسة ضغوط أكبر على روسيا بشأن سوريا، بما يتجاوز ما كان من قبل، وصولاً إلى طلب تدخل أو ضغط روسي مباشر لـ “ضبط” إيقاع وطبيعة العلاقات والتفاعلات العسكرية بين سوريا وإيران، بما في ذلك طبيعة “الوجود الإيراني” في سوريا، وموقف الأخيرة حيال حرب غزة ولبنان مع “إسرائيل”. وإذا كان هذا التقدير دقيقاً، فمن المحتمل أن تتجلى الاستجابات فب النحو الآتي:
– الضغط على روسيا، لتضغط بدورها على سوريا وإيران، مدفوعة (روسيا) بالحاجة إلى استمرار التفاهم مع “إسرائيل”، ولأن “إسرائيل” يمكن أن تمارس ضغوطاً أكبر على روسيا، ليس في سوريا فحسب، وإنما في أوكرانيا أيضاً. وغير معروف إلى أي حد يمكن أن تصل الأمور على هذا الصعيد؟ وهل تستجيب روسيا لـ “إسرائيل”؟ وما الاستجابات المحتملة من سوريا وإيران؟ وما الضمانات الممكنة أو المحتملة بهذا الخصوص؟
أما إذا امتنعت روسيا عن ذلك، أو قوبلت بالرفض أو التحفظ من إيران وسوريا، فقد تُقْدِم “إسرائيل” على مراجعات للموقف بينها وبين روسيا، بما يهدد التفاهمات القائمة أو المفترضة بين الطرفين منذ بداية التدخل الروسي في سوريا عام 2015. وهذا أيضاً مفتوح على احتمالات عدة: بدءً من “التكيف” مع الوجود الروسي ومصالح ورهانات روسيا في سوريا، وصولاً إلى “الاحتكاك” المباشر أو غير المباشر بين الطرفين. وقد تتسع دائرة الفعل وردود الفعل إلى نطاقات بالغة الخطورة. ولو أن هذا احتمال ضعيف، وفق الظروف والأوضاع الراهنة.
لا شك في أن روسيا حريصة على ضبط التوترات في الإقليم، وخاصة بين إيران و”إسرائيل”، وبالأخص لجهة التبعات القائمة والمحتملة على المشهد السوري. ولابد من أن الزيارات المتبادلة واللقاءات بين المسؤولين الروس والإيرانيين تحاول تلمس اتجاهات الأمور، وتقدير ميزان الربح والخسارة أو ميزان العائد والفاقد. وقد حذر المسؤولون الروس “إسرائيل” من “مجرد التفكير في في توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية”. (ميخائيل بوغدانوف، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2024). وأن “إسرائيل” تحاول “جر إيران إلى الأعمال العسكرية، ومن ثم جرّ الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب مباشرة في الشرق الأوسط ضد إيران”. سيرغي لافروف، 18 تشرين الأول/أكتوبر 2024). هذه تصريحات تصب في صالح إيران.
وهكذا، قد لا يجد الروس الكثير من الأسباب للتدخل في حرب فلسطين ولبنان، البلدان ليسا ضمن دائرة الاهتمام المباشر، وليس لديها فيهما فواعل قريبة منها (روسيا). ولو أن ما يحدث يهم روسيا، من أبواب عدة، منها: إشغال للغرب و”إسرائيل”، قد يخفف تورطهم في أوكرانيا. لكن اندفاع الأمور إلى مواجهة مفتوحة بين إيران و”إسرائيل”، قد تطال سوريا، فهذا يضع روسيا في موقف بالغ الحرج والخطورة. وهكذا، لابد لروسيا، من هذا المنظور، أن تعمل في جبهات أو خطوط عدة.
-مع “إسرائيل”
لتأكيد أولويات ومصالح روسيا في سوريا. وأن أي تجاوز لـ”التفاهمات” بين “إسرائيل” وروسيا يمكن أن يهدد الموقف بين الطرفين. ولدى موسكو “أوراق” يمكن أن تدفع بها في حال اندفعت “إسرائيل” حيال سوريا (أو أوكرانيا) أبعد مما تحتمله روسيا. ومنها المزيد من التعاون العسكري مع إيران وأطراف أخرى معادية لـ”إسرائيل”.
-مع إيران
لتأكيد وتعزيز التعاون الاستراتيجي معها، بما في ذلك التعاون في مجال السلاح والتقنيات العسكرية الدفاعية. وتَرَدَّدَ في الإعلام أن روسيا زودت إيران بتقنيات عسكرية متطورة، مثل أنظمة الدفاع الجوي والتشويش، لـ “احتواء” هجمات إسرائيلية أو أمريكية محتملة. مع ملاحظة أن لدى موسكو “تفاهمات عميقة” مع الغرب في هذا المجال، وقد لا ترى حاجة أو ضرورة لتوريد أسلحة أو تقنيات إلى إيران قد يجد الغرب فيها تهديداً له أو لحفائه في الإقليم.
وأن المصالح الكبرى تقتضي “إعادة التفكير” في أنماط السياسات في الإقليم، بما في ذلك سوريا و”إسرائيل”.
مع الغرب (و”إسرائيل”)، لتأكيد أن المواجهة مع إيران يجب أن لا تصل إلى درجة تجد روسيا فيها تهديداً لمصالحها وأمنها القومي. وأن بإمكان روسيا أن تزيد التعاون التقني والعسكري مع إيران، وتعزز قدراتها العسكرية، كما سبقت الإشارة، الأمر الذي يمكن أن يؤثر سلباً في جهود الغرب و”إسرائيل” في مواجهة إيران، وقد يزيد في مصادر التهديد لـ “إسرائيل” والغرب في الإقليم.
-مع سوريا وإيران
لتأكيد حدود وأفق التعاون معهما في الأزمة السورية وعلى مستوى الإقليم. وأن على الأطراف أن تعيد قراءة المشهد، لـ”احتواء” مصادر تهديد “غير اعتيادية”، وأن الغرب ربما يريد بالفعل أن يكسر نمط التفاعلات، وقد يندفع مباشرة مع “إسرائيل” (أو خلفها) إلى رهانات خطرة تجاه إيران وسوريا معاً. وهذا ما لا تريده روسيا.
وفي الختام:
تقف روسيا و”إسرائيل” أمام مدارك تهديد غير مسبوقة في الإقليم. ولو أنهما ليسا سواء. وإذ تُلوِّحُ “إسرائيل” بتوسيع نطاق الحرب الدائرة مع المقاومة في غزة ولبنان إلى سوريا نفسها وليس فقط “إيران في سوريا”، فإنها تدرك حجم المخاطر الملازمة لذلك، وخاصة أن لدى روسيا أولويات أمنية ومصالح استراتيجية في سوريا والإقليم، لن تتردد في الدفاع عنها، كما أن لها تحالفات وأنماط تفاعل وتشابك بعيدة المدى مع السوريين، وحتى مع إيران، تدفعها للتعاون معهما من أجل تدبير استجابات مركبة تحول -ما أمكن- من دون انزلاق الأمور إلى مواجهات مفتوحة.
الدكتور عقيل سعيد محفوض