أثر برس

كتب زياد غصن.. زيادة التحويلات الخارجية: هل للانفتاح السياسي العربي أثر في ذلك؟

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس منذ بداية شهر رمضان المبارك، وسعر صرف الليرة يشهد استقراراً ملحوظاً، تخلله في الأيام الأولى للشهر الفضيل حدوث تحسن طفيف على السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، وبرأي معظم الاقتصاديين فإن السبب الأساس في ذلك التحسن أو الاستقرار يكمن في زيادة عدد وقيمة التحويلات الخارجية الواردة إلى البلاد كما هو معتاد منذ سنوات طويلة.

لكن ما يلفت الانتباه أن ما يشهده سعر الصرف حالياً من مؤشرات إيجابية يخالف ما كان عليه خلال الفترة نفسها من العام الماضي، والتي على خلاف ما هو مفترض، فقد شهد فيها سعر الصرف تراجعاً ملحوظاً، وتسارع هذا التراجع أكثر بعد عيد الفطر آنذاك، وهذا التباين يفرض طرح مجموعة تساؤلات بغية محاولة تفسير ما يحدث، ومن بين هذه التساؤلات ما يلي: هل هناك عوامل معينة أسهمت في زيادة قيمة وعدد التحويلات الخارجية هذا العام حتى حدث ما حدث؟ وهل لاستعادة سوريا علاقاتها العربية (خاصة مع دول الخليج) علاقة بالتحسن الذي طرأ على تدفق التحويلات الخارجية؟

أسباب نموها:

تذهب معظم التوقعات إلى أن التحويلات المالية الفردية الواردة من الخارج زادت خلال سنوات الحرب، وتحديداً بعد سنة 2013، نتيجة عدة عوامل يمكن اختصارها في عاملين: الأول ارتفاع أعداد السوريين الموجودين في الخارج كمهاجرين وعاملين، وهنا تختلف التقديرات حول أعدادهم إلا أن الحديث يدور عن أكثر من مليون ونصف مليون سوري باتوا اليوم مهاجرين أو لاجئين خارج المنطقة العربية، يضاف إليهم آلاف الأشخاص الذين خرجوا للعمل في أرجاء المعمورة، وجزء كبير من السوريين في الخارج يواظبون بشكل دوري أو متقطع بإرسال تحويلات مالية لذويهم في سوريا أو أقاربهم أو معارفهم.

أما العامل الثاني يكمن في زيادة قيمة التحويلات الفردية التي كانت تجري سابقاً، فالعديد من المغتربين والعاملين في الخليج اضطروا تحت ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة في سوريا إلى زيادة قيمة تحويلاتهم بغية توسيع دائرة مساعدتهم لتشمل بعض الأهل والأقارب، وفي هذا السياق يشير الدكتور عابد فضلية الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق إلى أنه “تاريخياً، ومن حيث المبدأ؛ فإن تحويلات السوريين المغتربين والموجودين في الخارج مؤقتاً لغاية العمل مستمرة منذ سنين طويلة تمتد إلى ما قبل الحرب، وهي ازدادت من حيث، عددها، مع ازدياد عدد السوريين في الخارج خلال فترة الحرب: هاربين، مهاجرين، نازحين.. الخ. كما أنه تاريخياً أيضاً، وكما الأمر دائماً في كل سنة، تزداد هذه التحويلات من حيث العدد وحجم الحوالة الواحدة في شهر رمضان وعيد الفطر، وفي الأعياد الدينية الكبيرة الأخرى، وفي شهر 12 وأعياد الميلاد ورأس السنة، وتعود بعد هذه المناسبات لتنخفض إلى مستواها كما كانت قبلها”.

وعندما نتحدث عن تحسن سعر الصرف بفعل التحويلات الخارجية، فهذا للأسف لا يعني ارتفاعاً في قيمة الليرة، وإنما مجرد زيادة مؤقتة في كميات القطع الأجنبي، وهذا ما يوضحه الدكتور فضلية بالإشارة إلى أن هناك عدة حالات تلعب فيها كميات القطع تأثيراً على سعر الصرف منها: ازدياد الكميات التي يطرحها السوريون في الداخل من مدخراتهم الداخلية بالقطع الأجنبي لتصريفها لتغطية الزيادة في النفقات في هذه المناسبات، ازدياد عدد السوريين القادمين إلى بلدهم في بعض المناسبات، وبالتالي ازدياد الإنفاق في السوق السورية من القطع الأجنبي، أما عن حجم مبالغ هذه الحوالات فقد ازداد بالتأكيد نتيجة ازدياد عددها على الأقل، وبسبب ازدياد حجم الحوالة الواحدة كما نتوقع”.

تأثير علاقات الدول:

تختلف التقديرات حول قيمة التحويلات المالية الخارجية بالنظر إلى أن المصرف المركزي لم يعلن خلال السنوات الأخيرة أي بيانات متعلقة بقيمة التحويلات المالية الواردة عبر القنوات النظامية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن جزءاً ليس بالقليل من التحويلات الفعلية تتم عبر قنوات غير نظامية وهذه يصعب تقدير قيمتها، لكن وكما أشرنا في المقال الأخير فإن نتائج مسح الأمن الغذائي الذي جرى في العام 2022 أكدت أن ارتفاع حجم التحويلات المالية أسهم في زيادة نسبة الأسر الآمنة غذائياً وانتشال نسبة لا بأس بها من الأسر من خانة الانعدام الشديد في الأمن الغذائي.

وبحسب الدكتور فضلية فإنه “لا تستطيع أي جهة أن تعرف بدقة عدد هذه التحويلات وحجمها على اعتبار أن معظمها يصل عبر أقنية مجهولة غير رسمية و/أو بصحبة مسافر و/أو مرسلة بصحبة أشخاص ومعارف قادمين.. الخ، لذا فإن أي رقم نقرأه بخصوص عدد الحوالات وحجم مبالغها فهو تقديري وتخميني، ولكن هذا التقدير يتم من خلال حسابات وعوامل منطقية وموضوعية”.

ويضيف في تصريح خاص لـ” أثر برس”: قيمة الحوالات اليومية قبل سنوات الحرب بلغت بحسب تصريحات المصرف المركزي حوالي 7 مليون دولار ، وبالتالي، وبناءً على العوامل التي ذكرناها أعلاه؛ فيمكن أن نخمن بأن مبالغها اليومية قد ازدادت بالمحصلة على اعتبار أن عددها ازداد بزيادة السوريين في الخارج بنسبة أكبر من نسبة انخفاض حجم الحوالات الفردية بشكل عام”.

وإذا عدنا إلى تطورات سعر صرف الليرة في شهر رمضان الماضي وما شهده من انخفاض مقابل الدولار الأمريكي، فهل يمكننا القول إن استعادة سوريا لعلاقاتها الدبلوماسية مع معظم الدول العربية، وبالأخص مع المملكة العربية السعودية التي تستضيف بحسب بعض التقديرات غير الرسمية ما يزيد على مليون عامل سوري، كان لها أثر ما في تحسن تدفق التحويلات المالية؟

عموماً، يمكن القول إن مستوى العلاقات السياسية بين الدول يلعب دوراً مهماً في تشجيع التدفقات المالية بين بعضها البعض، لكن في الحالة السورية تبقى هناك عدة عوامل مقيدة لمثل ذلك الدور من أهمها العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، والتي تمنع أو تعرقل التحويلات عبر القنوات المصرفية والنظامية، ومع ذلك فإن استعادة سوريا لعلاقاتها مع بعض الدول العربية  يبقى له أثره من خلال تخفيف تلك الدول لرقابتها على التحويلات المالية الموجهة لسوريا عبر القنوات النظامية أو غير النظامية، لا بل إن ذلك يخلق ارتياحاً نفسياً لدى العاملين والمغتربين السوريين في تلك الدول وتقل مخاوفهم أثناء قيامهم بتحويل بعض المبالغ المالية لذويهم في سوريا بأي طريقة كانت، إلا أن الدكتور فضلية له رأي آخر مختلف نوعاً ما، إذ “إن حسن أو سوء العلاقات بين سوريا والبلدان الأخرى التي هي مصادر لتحويلات لا يؤثر أو أن تأثيره يكون بنسبة محدودة جداً باعتبار أن معظم التحويلات تتم بصورة سرية ودون تصريح أو علم من قبل سلطات هذه البلدان “.

اقرأ أيضاً