خاص || أثر برس تتوسط ساعتا حمص الوسط التجاري للمدينة وتعتبران من أهم معالمها ليس فقط لقيمتهما التاريخية والسياحية بل كونهما ارتبطتا بذكريات سكان المدينة حيث يشكلان نقطة علام بارزة في شارع “القوتلي” الذي يصل الساعتين “القديمة” و”الجديدة” والجملة المستحبة “وين بشوفك عند الساعة” وينك: “نيح الساعة”.
وقيل الكثير عن تاريخ الساعتين القديمة والجديدة ولكن هناك بعض المعلومات المغلوطة انتشرت بين الناس حول من أنشأهما وكيف؟
الساعة القديمة ركبت بمال “الحماصنة”:
أفاد الدكتور عبد الرحمن البيطار رئيس الجمعية التاريخية السورية لـ “أثر برس” بأن الساعة القديمة اشترتها بلدية حمص من فرنسا ورُكِّبت في زمن الاحتلال الفرنسي عام 1922 وليس من قدّمها أو ركّبها الفرنسيون كما يشاع، مشيراً إلى أنه لها مثيل في عدة مواقع في مدينة باريس وعدد من الدول التي كانت تحتلها فرنسا لافتاً إلى أنها تعتبر الساعة العامة الثانية في حمص حيث يوجد أقدم منها ساعة كاتدرائية “الأربعين شهيداً” في حي بستان الديوان جاءت هدية من الخارج.
وننوه بأنه ذكر في بعض الكتب والمواقع الإلكترونية أن الساعة بناها الفرنسيون بواسطة أشهر ساعاتي بحمص “عبد الله كيشي” واسمه محفور عليها حتى الآن وهي مصنوعة من النحاس وتسمى الساحة الموجودة فيها حالياً ساحة الشهداء.
الساعة الجديدة ساعة “الياس” وليس “كرجية”:
وعن الساعة الجديدة بيّن رئيس الجمعية التاريخية السورية أن من تبرع لبناء الساعة هو الياس حداد وليس زوجته كرجية، كما شاع بين الناس موضحاً أنه في عهد الوحدة من عام 1958 إلى عام 1960 حدث تقرب من المغتربين الحمصيين في أمريكا الجنوبية ليحضروا إلى حمص ويتعرفوا على واقعها الجديد، لافتاً إلى أن كل منهم كان يتقرب إلى أهله بطريقته وفي حينها تكرم الياس عبدا لله حداد بتقديم المال لبناء ساعة في الساحة الجديدة أمام السرايا ومبنى قيادة الموقع.
مضيفاً أنه بنيت فيما بعد الساعة بشكل مقارب لمآذن الجوامع الحمصية المربعة وعليها خطوط سوداء من نوع عمارة الأبلق المنتشرة في بيوت حمص القديمة حيث حضرت زوجته كريجة حداد حفل الافتتاح ولذلك شاع بين الناس بأن الساعة ساعة كرجية حدادـ وتم تسمية الساحة ساحة كرجية كتسمية شعبية وكان اسم الساحة “ساحة السرايا ” وحالياً “ساحة جمال عبد الناصر”.
لا أحداث تاريخية ارتبطت بالساعتين سوى اللافتات:
يقول الدكتور البيطار بالنسبة له أهم الأحداث التاريخية هي اللافتات التي علقت على الساعتين حتى أن الساعة الجديدة تكاد لا تظهر من كثر ما علق عليها من دعايات انتخابية وحفلات وتهنئة وأنهما كانتا نقطة تعليق لجميع الدعايات السياسية والاجتماعية والثقافية والحصة الأكبر للساعة الجديدة أما القديمة فكانت تستخدم لربط الأحبال، مشيراً إلى أنه يوجد صور كثيرة تثبت ما ذكر.
توقف وإصلاح
تشير المعلومات المذكورة إلى أن الساعة الجديدة تعطلت لمدة عشر سنوات منذ عام 1978 حتى عام 1988 وقام الساعاتي “عبد الله كيشي” بإصلاحها مبتكراً آليات وقطعاً لها بجهوده الفردية ومنها استبدال الإضاءة النيونية النافرة بإضاءة داخلية جميلة وإضافة جهاز جرس أوتوماتيكي مبرمج وأيضاً تعطلت خلال فترة الأحداث بعد عام 2011 حيث تبرع المقاول “حسان علوش” بإعادة ترميمها وإصلاحها ليعود ويسمع سكان حمص صوتها مع كل ساعة.
نُكات مرتبطة بالساعتين غير موثقة:
تدور نُكات حول هذه الساعة القديمة أن عمال البلدية الذين يعملون في ورديات ليلية كانوا يمدون خشبات مكانسهم لزيادة الوقت حتى يعتقد مراقبهم أن وقت ورديتهم انتهى ويخرجون أبكر من وقتهم المخصص كما انتشرت بعض الروايات الطريفة حول هذه الساعة منها أن الحماصنة على طرافة حديثهم كانوا يبيعون الساعة للوفود السياحية المحلية والأجنبية.
وتقول الطرفة عن الساعة الجديدة أن وفداً سياحياً جاء لزيارة حمص وكان برنامج هذا الوفد يقتضي أن يمر بجانب الساعة وقد أعيت الحيلة المشرفين على الساعة وعجزوا عن إصلاحها قبل مجيء الوفد فجيء بساعاتي وأُجلس داخل الساعة وظل يحرك عقاربها كل دقيقة لمدة تتجاوز نصف اليوم حتى مر الوفد فابتهجوا بالساعة دون أن يدروا ما خُبء بداخلها.
ويؤكد رئيس الجمعية التاريخية في حمص أن الطرف المذكورة ليس لها ما يثبتها أو دقة فهي تبقى ضمن الأحاديث الشعبية.
ونتمنى أن تعود عقارب الساعتين لكي نعرف أكثر عن تاريخهما المرتبط بذاكرة أهل حمص وزوارها، تلك الذكريات التي ما تزال تضبط على توقيت ما قبل عام 2011 حيث عمد ما يسمون “ثوار حمص” إلى إنشاء مجسم للساعة الجديدة كرمز لثورتهم ورقصوا وابتهجوا حولها معلنين أكثر من مرة سقوط المدينة بيدهم إلا أن الساعتين والمدينة بقوا في أيدي أهلها ليكتب لمدينة حمص حياة جديدة في سجل تاريخها.
أسامة ديوب – حمص