خاص|| أثر برس شهدت محافظة اللاذقية ارتفاعاً جنونياً بأسعار العقارات خلال سنوات الأزمة، وكانت كلمة السر وراء هذا الارتفاع غير المبرر هي “ارتفاع الأسعار عالمياً”، علماً أن ارتفاع الأسعار لم يقتصر على تجار مواد البناء فقط، وإنما انسحب إلى عدد من أصحاب المكاتب العقارية الذين اتبعوا المثل الشعبي “ما حدا أحسن من حدا”، الذين لعبوا الدور الكبير في عملية البيع والشراء.
وعلى هذا المنوال حلّقت أسعار العقارات عالياً، حيث أصبح شراء المنزل ضرباً من المستحيل، بعد أن كان في السابق حلماً بالنسبة للغالبية العظمى التي اعتقدت للوهلة الأولى عندما سمعت الأرقام المطلوبة، أنها تشتري منزلاً في باريس أو في لندن، وليس في اللاذقية.
ركود عقاري
يقول أبو رضا صاحب مكتب عقاري في حي الزراعة بمدينة اللاذقية لـ “أثر”: “تشهد العقارات جموداً كبيراً في حركة البيع والشراء، وبالرغم من ذلك فإن العقارات التي تباع في بعض أحياء المحافظة بأسعار فلكية، تظن للوهلة الأولى أنك تعيش في أغلى مدن العالم”، مدللاً على ذلك بالأرقام الفلكية التي تباع بها المنازل في منطقة الكورنيش الجنوبي التي تعتبر من أغلى المناطق في المحافظة، حيث يتراوح سعر العقار السكني فيها بين 500-900 مليون ليرة، ويتجاوز المليار ليرة في عدد من الأبنية.
وأضاف أبو رضا: “يأتي حيا مشروع ياسين والأمريكان في الدرجة الثانية بالأسعار الفلكية، حيث بلغ سعر متر البناء السكني على الهيكل مليوني ليرة”، مشيراً إلى أن مساحة العقار والمزايا التي ترافقه من إطلالة ووجوده ضمن البناء والحي، تلعب دوراً كبيراً في رفع سعره.
وأشار أبو رضا إلى وجود أحياء ضمن مدينة اللاذقية أسعار المنازل فيها مرتفعة ولكن بفارق كبير عن أسعار أحياء الدرجة الأولى والثانية، كحي المشروع السابع فالأسعار تتراوح فيه بين 150-300 مليون ليرة حسب موقع المنزل وإطلالته وارتفاعه.
وعن أكثر الأحياء نشاطاً في عملية البيع والشراء، بحسب أبو رضا، يأتي على رأسها حي الزقزقانية وذلك لقربه من الجامعة، بالإضافة إلى تعدد خيارات أسعار العقارات السكنية فيه والتي تتراوح بين 60-300 مليون ليرة، حسب العقار وتصنيفه (طابو- على الشيوع- أسهم مالي عقاري).
أسعار فلكية:
بدوره، بيّن أبو فادي صاحب مكتب عقاري في حديث مع مراسل “أثر”، أن اختلاف الأسعار يعود إلى اختلاف المنطقة، فسعر متر البناء يختلف بحسب المنطقة، والترخيص والتصنيف، مشيراً إلى أن سعي الكثير من مالكي الأموال المجمدة إلى استثمار أموالهم في شراء عقارات وتأجيرها، ساهم بشكل كبير في زيادة أسعار العقارات.
وأضاف: “الكثيرون يعتقدون أن ارتفاع الأسعار سببه طمع أصحاب المكاتب العقارية الذين يتقاضون عمولة مبالغاً فيها، لكن الحقيقة أن أصحاب العقارات أصبحوا أكثر طمعاً من أكبر تاجر عقارات في المحافظة، وما يجري في اللاذقية من ارتفاع بالأسعار ينطبق على العديد من المحافظات السورية.
عبد الله محمد، أحد الأشخاص الذين قضوا سنوات طويلة بجمع المال عن طريق القروض والجمعيات ليحققوا حلمهم بشراء منزل، قال لـ “أثر”: “ظننت أنه يمكنني بمبلغ 35 مليون ليرة “شقا العمر”، شراء منزل لعائلتي والتحرر من عناء الإيجارات، إلا أنني تفاجأت بأن المبلغ الذي ادخرته لا يشتري لي، ولا حتى غرفة واحدة مستقلة، فالواقع العقاري فلكي، ولا يمت للمنطق بصلة”.
المشكلة بالأراضي
ارتفاع أسعار المنازل برأي تجار البناء مقبول إذا ما قورن بالأسعار الفلكية للأراضي، إذ يؤكد أبو رامي “تاجر بناء” بحديث مع “أثر”، أن أصحاب الأراضي ينتهزون حقيقة أنه لا توجد في المحافظة أراضٍ صالحة للبناء ضمن المخطط التنظيمي، ما أدى إلى ارتفاع سعر متر البناء وغلاء العقارات بشكل عام، وخاصة في المناطق المنظمة.
بدوره، يوضح الخبير العقاري فراس سليمان لـ “أثر” أن سوق العقارات كبقية أسواق الاقتصاد يخضع إلى قوى العرض والطلب لتحديد سعر العقار بيعاً وشراء من جهة، وأسعار الإيجارات من جهة أخرى، مؤكداً أنه لا يستطيع أحد أن يشتري منزلاً على الهيكل في أطراف المدينة إذا لم يكن في جيبه على الأقل 50 مليون ليرة.
وبيّن سليمان أنه كلما ارتفع الطلب على العقارات ارتفعت أسعارها، وكلما انخفض تراجعت الأسعار، مؤكداً أنه مع بداية الأزمة الحالية شهد سوق العقارات ركوداً نسبياً، حيث لم تكن هناك أي حركة عقارية بيعاً أو شراء خلال العامين الأولين من الأزمة، ولكن الوضع تغير منذ عام 2013، حيث حدث ارتفاع مطرد لأسعار العقارات في اللاذقية بلغ أضعاف أضعاف ما كان عليه قبل الحرب على سوريا.
عدم تطور القدرة الشرائية
من جهته، قال الباحث الاقتصادي الدكتور سنان ديب لـ “أثر” إن قانون الضرائب والبيوع العقارية في ظل عدم تطور القدرة الشرائية كان من أسباب رفع الأسعار، بالإضافة لصدور قرارات متتالية وغير مرنة من المصرف المركزي كرفع الفوائد وحجز الأموال، وزعزعة ثقة التعاطي مع البنوك.
وأضاف: “عدم وجود رؤية صحيحة لقطاع العقارات أوصلنا لأسعار تتجاوز التضخم وتعتبر خيالية وأغلى من دول العالم”، موضحاً أن الأسعار لا تعكس التضخم ولا العقلية الصحيحة في المجال التجاري، كما كان لأسعار مواد البناء دور كبير في الغلاء فقد أدى رفع سعر الأسمنت مؤخراً بشكل مباشر على العقارات وارتفعت الأسعار حوالي 5% .
وتابع ديب: “في مرحلة معينة كان يظن بعض العاملين بقطاع البناء أن أموال المغتربين ومن هم خارج البلاد ستحرك السوق ولكن لم تصدق ظنونهم، إذ حتى هؤلاء استغلوا الأسعار، فكيف المواطن ممن يعتمد على مردود العمل المحلي”.
باسل يوسف – اللاذقية