بعد التطورات المفصلية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وسوريا بالتحديد خلال الفترة الأخيرة، تدور التحليلات والأحاديث في الأوساط السياسية حول ما بعد هذه التطورات والخطوات التي ستليها، خصوصاً بعدما تبيّن أنها ليست تطورات آنية وإنما بداية لمرحلة ومسار جديد.
موقع “ميدل إيست أي” البريطاني أطلق على المرحلة المقبلة بـ”ما بعد حقبة 2011″ نشرت فيه: “يمكن إثبات أن حقبة 2011، تقترب الآن من نهايتها، وتشير التحولات الأخيرة في الدبلوماسية الإقليمية، من مصالحة تركيا مع خصومها الخليجيين، إلى انفراج السعودية مع إيران، تليها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، إلى أن العلاقات الدولية للشرق الأوسط تبتعد عن وجهة نظر حددتها إلى حد كبير تداعيات الربيع العربي”.
وبالرغم من كافة التطورات، تحافظ الولايات المتحدة الأمريكية على موقفها المعارض للتقرّب من سوريا، وتعمل على تشديد العقوبات عليها لمنع الدول العربية سيما الخليجية منها من التعامل اقتصادياً وتجارياً مع سوريا، وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة “المجلة” مقالاً تحليلياً أكدت خلاله أنه “بعد أن عادت سوريا إلى الحضن العربي، وتم تفعيل الدور العربي واتخاذ زمام المبادرة لإيجاد التسوية السياسية، فإن التحدي الذي سيواجهه العرب هو كيفية إقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى المسار الذي اختاروه لإيجاد التسوية السياسية في سوريا، ولكن العقبة الرئيسة ستكون، كيفية التعجيل ببدء عملية إعادة الإعمار، الأمر الذي يمكن البدء فيه من خلال تحديد وتعريف مروحة الأنشطة لإعادة الإعمار بدءاً من تعزيز الاستقرار والتعافي المبكر وإعادة التأهيل، وربط ذلك بالإصلاحات السياسية والاقتصادية التي ستقوم بها الحكومة السورية”.
وأضافت الصحيفة أنه “من دون إعادة الإعمار، لن تكون هناك إمكانية للاستقرار في سوريا ولا فرصة لإنهاء التدخل العسكري الأجنبي، فالدول العربية، ولا سيما الخليجية، ستحتاج إلى إدارة هذا الوضع في ظل العقوبات المفروضة من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة أن من بين هذه العقوبات قانون قيصر الذي أقره الكونغرس الأمريكي بفرض عقوبات مباشرة على الحكومة السورية وعقوبات ثانوية ضد أولئك الذين يتعاملون معها. ولكن حقيقة الأمر أن هناك بعض الدول العربية لديها قدر لا بأس به من النفوذ في واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى لإقناعها بإبداء المرونة اللازمة لبدء عملية إعادة إعمار سوريا”.
وفي محاولة لتفسير إصرار واشنطن على موقفها إزاء التقرّب من دمشق جاء في صحيفة “الأخبار” اللبنانية “معارضة واشنطن والاتحاد الأوروبي للتطبيع العربي مع دمشق وللخطط الروسية نحو مصالحة دمشق وأنقرة لا تأتي من رؤية للوضع السوري بل من رؤية أمريكية جديدة للعالم في عالم ما بعد الحرب الأوكرانية، الذي أفرز معسكراً صينياً-روسياً-إيرانياً في مواجهة معسكر حلف الأطلسي-اليابان-كوريا الجنوبية-أستراليا مع معسكر حياد تنزاح نحوه الهند وجنوب أفريقيا وربما السعودية والبرازيل، وتتلمّس خطاها نحوه، حيث ترى واشنطن أن سوريا ميدان مجابهة بين هذين المعسكرين مثلها مثل أوكرانيا وتايوان، والأمريكيون، على ما يبدو، من خلال تشدّدهم الجديد تجاه المسألة السورية، لم يعودوا ينظرون في عالم ما بعد 24 شباط 2022 إلى ما يجري في سوريا كما كانوا ينظرون قبل هذا اليوم”.
منذ عام 2018 بدأت بوادر عودة سوريا إلى محيطها العربي، وتمثّلت هذه البوادر بإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، وبعدها بدء زيارات المسؤولين العرب إليها وعلى رأسهم وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، وصولاً إلى عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية وفق قرار صدر من الجامعة بتاريخ 7 أيار الفائت، ومشاركة الرئيس بشار الأسد بالقمة العربية التي عُقدت في جدة بتاريخ 19 من الشهر ذاته، وذلك بعد عقد اجتماعين أحدهما بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي ووزراء خارجية الأردن ومصر، وبعد اجتماع عمّان الذي عُقد بحضور وزراء خارجية سوريا والأردن ومصر والعراق والسعودية وصدر عنه بيان ختامي ركز على ملفات عدة، أبرزها “اللاجئين السوريين ومكافحة المخدرات، وإعادة الإعمار” وغيرها، وحول تنفيذ بنود هذا الاجتماع أكد وزير الخارجية فيصل المقداد، خلال زيارته إلى الرياض بتاريخ 12 حزيران الجاري: “فيما يتعلق بنا في سوريا أؤكد لكم أننا سِرنا مئات الخطوات، والتي لم نلق، مقابلها، أي خطوة من الأطراف الأخرى”، مضيفاً أنه “المطلوب الآن من الأطراف الأخرى هو إبداء حسن النوايا والتوقف عن دعم الإرهاب”.