عقب انتهاء جولة محادثات أستانا 21، أعلن المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، أن استمرار وجود القوات التركية في سوريا يعوق تحقيق تقدم في مسار التقارب، وذلك بعد الجمود الذي شهده هذا المسار مؤخراً بعد الانتخابات الرئاسية التركية.
وأكدت معظم التحليلات العربية والتركية أن أنقرة مصرّة على بقائها شمالي سوريا وتسعى إلى التمدد في الأراضي السورية، الأمر الذي يضع مسار التقارب السوري- التركي أمام مصير مجهول.
وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة “ديلي صباح” التركية تقريراً لفتت فيه إلى أن “أنقرة تسعى إلى توسيع رقعة سيطرتها في مناطق شمالي سوريا، وبالتالي توسيع مناطق المعارضة السورية لذلك شهدنا بعض الأخبار عن مخطط اسمه نموذج حلب، يهدف إلى ضم مناطق ريف حلب وما حولها إلى مناطق المعارضة السورية”.
وأضافت الصحيفة التركية أن “خيار العملية العسكرية موجود على الطاولة دائماً بوصفه خياراً أخيراً لا ترجحه أنقرة، إذ من الممكن أن ينطوي على خسائر مادية وبشرية، وهذا ما لا تريده الحكومة التركية الجديدة التي تعمل لتحقيق القرن التركي الذي يتميز بالازدهار الاقتصادي بعد معاناة الاقتصاد التركي من ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع سعر الدولار، ولكن إذا استنفدت أنقرة كل الحلول السياسة فستبدأ بخيار العملية العسكرية البرية التي سيكون هدفها الدخول بعمق 30 كم إضافية من مواقع وجود القوات التركية في الشمال السوري”.
بدورها، أشارت صحيفة “الشرق الأوسط” إلى أن “الوجود العسكري شمالي سوريا يشكّل العقبة الرئيسة في سبيل تقدم مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، إذ تشدد الأخيرة على أنه لا حديث عن أي خطوات للتطبيع قبل الانسحاب التركي من الأراضي السورية”، موضحة أن “تركيا تتمسك ببقاء قواتها حتى الانتهاء من العملية السياسية”.
وأضافت “الشرق الأوسط” أن “موسكو تطرح العودة إلى اتفاقية أضنة لعام 1998، التي تسمح لتركيا بالتوغل لمسافة 5 كيلومترات في الأراضي السورية لتعقب عناصر العمال الكردستاني، لكن أنقرة تتمسك بإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها لمسافة 30 كيلومتراً، وإنشاء منطقة آمنة بهذا العمق لاستيعاب اللاجئين”.
بينما طرحت صحيفة “العرب” سيناريوهات عدة لمصير هذا المسار وأحد هذه السيناريوهات هو أن يُحافظ التقارب السوري- التركي على جموده جراء عوامل عدة، موضحة أن “استمرار الجمود الحالي، هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، ويرى هذا السيناريو أن الوضع بين أنقرة ودمشق، سيستمر في اتجاه الجمود الراهن لعملية التطبيع بينهما، خاصة مع تراجع أعداد اللاجئين السوريين بنسبة 10 في المئة في عام 2023، إذ أكدت إدارة الهجرة التركية أن أعداد اللاجئين السوريين في تركيا الآن هي الأدنى منذ 7 سنوات، مما قد يعطي أردوغان فرصة لتفادي الانتقادات من المعارضة التي تضغط من أجل ترحيل السوريين إلى بلادهم، والذي لن يتم سوى بالتطبيع مع دمشق”، مضيفة أن “هذا السيناريو يستند أيضاً إلى مؤشرات عدة، أبرزها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، التي جعلت دمشق تشعر أن التطبيع مع تركيا ليس أولوية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الشروط التركية لا تزال عائقاً أمام التطبيع التركي- السوري. كما أن الشروط السورية الخاصة بانسحاب كامل للقوات التركية من الأراضي السورية لا تزال غير مقبولة تركياً، وفي حال تحقق هذا السيناريو ستستمر العمليات العسكرية التركية ضد الأكراد، لكن من دون الوصول إلى مرحلة العمليات الشاملة”.
وقبل أيام قليلة من إجراء هذه الجولة من محادثات أستانا، أكد السفير الإيراني في سوريا حسين أكبري، في لقاء خاص مع “أثر” أن هذه الجولة ستناقش ملف التقارب السوري- التركي، الذي شهد حالة من الجمود بعد الانتخابات الرئاسية التركية، وقال أكبري في هذا الصدد: “قبل الانتخابات الرئاسية التركية كدنا أن نصل إلى نتيجة، لكن بعد الانتخابات كانت هناك حالة من الغموض من الطرفين بعضهما لبعض، نحن نسعى إلى أن نرفع هذا الغموض بين الدولتين في جلسة أستانا المقبلة”.
يشار إلى أن مسار التقارب السوري- التركي بدأ الحديث عنه في بداية تموز 2021 ، إذ أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، حينها نية بلاده لتقريب وجهات النظر بين سوريا وتركيا، وتم حينها إجراء قمة ثلاثية بين تركيا وروسيا وإيران في طهران، تبعتها لقاءات عدة بين وزراء دفاع وخارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا.