أثر برس

سوريا وتركيا: العودة إلى الدفاتر القديمة (2 من 2)

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس كانت فكرة العودة إلى بروتوكول أضنة بين سوريا وتركيا عام 1998 مهمة لروسيا، وبالطبع سوريا. ولكن فكرة العودة إلى البروتوكول ـكما طرحتها روسيا عام 2019- بدت أقل أهمية لأنقرة، ولو أنها لم ترفضها، لماذا؟ لأن سقوف التوقعات لدى أنقرة كانت لا تزال مرتفعة: أرادت أنقرة إقامة “منطقة آمنة” أو “منطقة عازلة”. ولم ترد الاعتراف بـ”النظام السياسي” في سوريا، كما أن ثمة عوائق داخلية في تركيا، تخص النظام السياسي وحزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس أردوغان شخصياً، كانت تحول من دون القبول الجاد للفكرة.

ولو أن أنقرة كانت في الوقت نفسه، جزءاً من “عملية أستانة” التي أمّنت تواصلاً غير مباشر مع دمشق، وأدت -مع عوامل أخرى- إلى استعادة سلطة الدولة السورية على أجزاء كبيرة من الأرض السورية. و”ضبطت” إلى حد ما التوترات والمواجهات على خطوط السيطرة في محيط إدلب وحلب. وبرزت تقديرات حول لقاءات أمنية واستخباراتية متكررة بين الطرفين.

قرأت أنقرة الطرح الروسي في العام 2019 بوصفه “خطة بديلة” أو “خطط إجهاض” لخطط أنقرة الخاصة بإقامة “منطقة عازلة”، و”خطط تفكيك” ما تسميه أنقرة “كياناً إرهابياً” في شمال شرقي سوريا. وتمكين دمشق من السيطرة على مناطق الحدود، ودفع أنقرة للتواصل المباشر مع دمشق ضد مصادر تهديد غير اعتيادية تتمثل بالوجود والسيطرة الأمريكية على مناطق في شرق الفرات ومنطقة الجزيرة والحدود بين سوريا والعراق، والدعم الأمريكي لـ”كيانية” ذات “أفق انفصالي” هناك.

وأن العودة إلى بروتوكول أضنة 1998 تعني، من هذا المنظور، موافقة أنقرة على أن تدخلها العسكري والسياسي.. إلخ في سوريا “غير شرعي”. وأن السبيل الوحيد لتفكيك مصادر التهديد من جهة “الكيانية الكردية” و”الإدارة الذاتية” هو التواصل مع دمشق. وهذا ينسحب إلى القضايا الخاصة باللاجئين ومناطق سيطرة الجماعات المسلحة في ريف إدلب وحلب.

يقول أرودغان بأهمية بروتوكول أضنة 1998، ولكنه يقول أيضاً أن بلاده وحدها تعرف ماذا يعني الاتفاق، وهي من سوف يفسره! وتعاملت أنقرة مع البروتوكول بوصفه مادة يمكن استدعاؤها عند الحاجة، وذريعة للتدخل العسكري في سوريا بعنوان احتواء “التهديد الكردي”، وقالت أنقرة إن تدخلها العسكري في محيط إدلب وحلب هو من أجل تفكيك أو احتواء “الكوريدور الإرهابي” الكردي المزعوم تركياً، فضلاً عن تبريرات أخرى على صلة بالحدث السوري ككل.

وإذ يتحدث الترك والروس عن بروتوكول أضنة، لكن لكل منهما مقاصد مختلفة. قد لا يكون البروتوكول مقصوداً بعينه، فهو أقل من طموح تركيا، وبالطبع أقل مما وجدت نفسها فيه حيال سوريا وفيها بعد العام 2011، وأقل قدرة على الإمساك بموضوع يتجاوز إرادة الطرفين (سوريا وتركيا) وحتى روسيا نفسها. وثمة تعقيدات وتداخلات إقليمية ودولية كثيرة. وبالتالي فإن التوافق بين أنقرة ودمشق على “إعادة إنتاج” بروتوكول أمني جديد، فيما لو حدث ذلك، ليس هو الاستجابة الناجعة والكافية للحدث، وثمة اعتبارات أخرى تخص أمريكا وعدداً من الدول والفواعل الأخرى.

والآن، هل تغيرت الأمور منذ العام 2019 وحتى اليوم؟ قد تكون أنقرة أقل تردداً بقبول طرح موسكو حول الموضوع. ثمة ضغوط داخلية متزايدة تتطلب تغيير النمط بين أنقرة ودمشق. وتواجه تركيا تهديدات متزايدة أمنية واجتماعية وسكانية ديمغرافية واقتصادية، وأزمات ثقة. وتزايد التوترات الاجتماعية على خلفية قومية وعرقية ودينية وطبقية. وتفاقم مشكلات اللاجئين داخل المجتمع بشكل بات يهدد بانفجار اجتماعي. فضلاً عن تزايد الضغوط الاقتصادية.

ويشعر الترك -من هذا المنظور- أن واشنطن تلعب “لعبة خطرة” في “الموضوع الكردي” في منطقة الجزيرة السورية، ليس ضد دمشق فحسب، وإنما ضد تركيا، وحتى بين كرد تركيا نفسها. وهذا وغيره يمثل بيئة ومدارك ضغط عند أنقرة تدفعها للتقارب مع دمشق.

صحيح أن أنقرة ترددت في العودة إلى بروتوكول أضنة 1998، بحسب المقترح الروسي عام 2019، لكنها اليوم أكثر انفتاحاً على الفكرة، ويعزز ذلك الضغوط الروسية والإيرانية بهذا الخصوص، ولا شك أن إيران أكثر حذراً في هذا الباب. وتؤمل أنقرة أن الفروق في ميزان القوة سوف يجعل صوت دمشق أقل قوة، وبالتالي أكثر تقبلاً لخط المعنى الذي تريده أنقرة، سواء في تفسير “النص الأصلي”، أم في كيفية “استدعاء” ذلك النص ليكون أحد “الخطوط المرجعية” و”التأطيرية” لـ”تفاهمات” من المفترض أن تنتج “خارطة طريق” للتقارب بين البلدين.

سوف تميل أنقرة لتعامل تدريجي ومديد بهذا الخصوص، ولن تستجيب بسهولة لمتطلبات التقارب، وخاصة لجهة مطالب دمشق من انسحاب القوات التركية، ووقف دعم تركيا التنظيمات الجهادية والإرهابية في إدلب وريف حلب. والأطماع الجغرافية والتاريخية والرهانات الاجتماعية والعرقية والطائفية التي تحرك سياسة أنقرة تجاه مناطق السيطرة في شمال غربي سوريا، وفي سوريا ككل.

الدكتور عقيل سعيد محفوض

اقرأ أيضاً