خاص || أثر برس ثمّة توافقٌ يخيم على مشهد العدوان التركي على مناطق الشمال الشرقي لسورية، لقد حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف أكثر من مرة من خطورة الوضع في تلك المنطقة التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” حلفاء واشنطن بغية تقسيم سورية، ومنذ مشاركة روسيا الدولة السورية في حربها على إرهاب “داعش” و “النصرة” كان الموقف الأكثر غموضاً هو ما يتعلّق بالمسألة الكردية وتمدد أردوغان في الداخل السوري بدءاً من عملية “درع الفرات” وانتهاءً بعملية “غصن الزيتون”، والتفهم الروسي لتخوّف أنقرة من الكانتون الكردي شمال سورية لم يدفعها إلى مطالبة أردوغان بالانسحاب من جرابلس وإعزاز والباب ومنبج وعفرين وتسليم هذه المدن للدولة السورية، بل تُرجم ذلك بالنجاح بتوريد منظومة S400 إلى أنقرة على حساب أنظمة دفاع الباتريوت الأمريكية.
بات واضحاً أن تركيا تمثّل ثقل التوازن في الخارطة السوريّة بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة الأمريكية على السواء، واصطدمت الأخيرة دائماً بالأتراك بسبب دعمهم لـ “قسد”، والتوغل التركي اليوم في شرق الفرات هو نتيجة تفاهم ثنائي مع دونالد ترامب لإقامة مايسمى بـ “المنطقة الآمنة” التي يريدها أردوغان بمسافة 460 كيلو متراً، وبعمق حوالي 30 كم داخل الأراضي السورية، ولهذا الأمر بدأت القوات التركية بالأمس هجومها على كامل الشريط الحدودي المذكور، وهدفها السيطرة شرقاً على المالكية والقامشلي والدرباسية ورأس العين وسنوك وتل أبيض انتهاءً بعين العرب في الغرب، ولكن وجود القوات السورية في مدينة القامشلي سوف يؤخر من عملياتها في عمق المدينة، لأن تركيا لا تريد الاصطدام بالقوات السورية في نهاية المطاف.
إن ما تحدث به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تدميره للاقتصاد التركي هو بمثابة تحذير علني لأردوغان بعدم تجاوزه لخطط المسرحية التي نسجاها معاً، فدونالد ترامب يريد الضغط السياسي على الأوروبيين من البوابة التركية، فهو أطلق يد أردوغان على عناصر “داعش” المحتجزين في سجون “قسد”، وأعداد كبيرة منهم يحملون جنسيات أوروبية، ولهذا السبب أوكلت دول أوروبا فرنسا وبريطانيا وألمانيا لدعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد وبحث الهجوم التركي شمالي سورية، لأن الأوروبيين بمن فيهم هذه الدول الثلاث يريدون إيقاف أردوغان بأية وسيلة، فتصريحات الاستنكار التي بدأت مع إعلان القوات التركية بداية عملياتها في الشمال الشرقي لسورية، لم تكن خوفاً من نشوب أزمة إنسانية محتملة.
لقد وجّه أردوغان برسالة إلى دول أوروبا، وتحجج بوجود أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا، لم يفِ الأوروبيون بالالتزامات نحوهم، وأنه ماضٍ لإقامة “منطقته الآمنة”، وهو لم يكف عن تأكيد سيادة وسلامة ووحدة الأراضي السورية، مع أن كل عملياته العدوانية واحتلاله للأراضي السورية كانت خارج تفاهماته مع الدولة السورية، وعن العملية الأخيرة يقول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن تركيا أبلغت القنصلية السورية بذلك!.
سوف تقوم تركيا بقطع اتصال “قسد” مع قيادات “حزب العمال الكردستاني” بين الحدود السورية وسنجار وجبل قندهار في الشمال العراقي، ومع بداية المعارك لابد للمقاتلين الأكراد من الانسحاب، لأن ليس من مصلحتهم محاربة الأتراك طويلاً في معركة غير متكافئة، وهم القشة التي يحّركها الأمريكيون برياحهم، ويعلمون بأنهم سوف يخسرون المدن التي يسيطرون عليها بأكملها، ومع ذلك يبقون أحلام مشروعهم بأيدي الولايات المتحدة الأمريكية، وينسفون كل مرة التفاوض مع دمشق لضمان وحدة الأراضي السورية.
في آخر الشهر الماضي وفي غضون اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذهبت إلهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية لـ “قسد” إلى واشنطن، لأخذ ضمانات خطية كما قالت، وهي لا تعلم بأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد بدأت بالتخلي عنهم فعلاً، وأن دعمهم أصبح وراء ظهرها، فالأكراد الانفصاليون هم كما قال غوته: “باعوا أرواحهم للشيطان”.
علي أصفهاني