زياد غصن ـ خاص|| أثر
ليست مغادرة البلاد وحدها ما كان يقلق شريحة معينة من السوريين، فالحصول على جنسية ثانية، تتيح لهؤلاء حرية السفر والتنقل من جهة، وتضمن لهم ولأسرهم الاستقرار والحصانة من جهة ثانية، شكّل هاجساً يومياً دفع من أجله كثيرون مبالغ مالية طائلة، سواء أثناء البحث عن جنسيات ملائمة، أو عند محاولتهم تحقيق اشتراطات الحصول على الجنسية في بعض الدول.
وباستثناء تركيا، التي منحت خلال السنوات الماضية جنسيتها لحوالي 200 ألف سوري وفق تصنيفات معينة، فإن حصول السوريين على جنسـية دولة أخرى ارتبط بواحد من اثنين: إما لتحقيق بعض المهاجرين واللاجئين شروط الإقامة في الدول التي قصدوها منذ السنوات الأولى لأزمة بلادهم، وتالياً لم يكن هناك تمييزاً بينهم تبعاً للملاءة المالية والشهادات العلمية وغير ذلك. أو نتيجة لتمكن البعض من تنفيذ الاشتراطات المنصوص عليها في تشريعات بعض الدول، لاسيما من جهة التملك والأرصدة البنكية والرسوم الواجب دفعها، وهو ما يعني حصر مسألة الحصول على الجنسية بالقادرين مالياً، وبذلك يكون أصحاب رؤوس الأموال هم أول المحظوظين بالحصول على جنسية بعض الدول.
وبالفعل، فقد زاد خلال الفترة الأخيرة إقبال رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال السوريين على “شراء” جنسية ثانية، تخولهم السفر بحرية والتخلص من العراقيل، التي باتت توضع أمام حملة الجنسية السورية، وفي الوقت نفسه توفر لهم الجنسية الثانية ملاذاً آمناً، فيما لو اضطروا إلى مغادرة بلادهم نهائياً لسبب من الأسباب. لكن ما هي الدول التي تمنح جنسياتها للسوريين؟، وماذا يدفع السوريون مقابل ذلك؟
بالأرقام
لم تكن مسألة الحصول على جنـسية ثانية وليدة سنوات الأزمة، فالفترة التي سبقت العام 2011 شهدت حضوراً لهذه الظاهرة، إنما ضمن شرائح اجتماعية معينة ولجنسيات دول بذاتها. وكانت هناك معلومات متداولة عن حصول بعض المسؤولين على جنسيات ثانية، وربما هذا ما دفع المشرع في العام 2012 إلى تضمين مشروع الدستور مادة تشترط على مستويات معينة من المسؤولية عدم امتلاك شاغليها جنسية دولة ثانية. وحسب ما يذكر أحد رجال الأعمال، والذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن هناك عدة أنواع للجنسية الثانية التي حصل عليها بعض السوريون، أو يسعون للحصول عليها. النوع الأول، وهو عن طريق الزوجة أو الأولاد الحاصلين على جنسية دولة ثانية لعدة أسباب، وهنا يحصل الزوج أو الأب على الجنسية حسب شروط كل دولة. أما النوع الثاني فيتم عن طريق الإقامة ببلد معين، بعمل أو من دون عمل، حسب أنظمة كل دولة. النوع الثالث سببه لجوء شريحة من السوريين إلى الدول الأوروبية، والبعض منهم حصل على جنسية الدولة التي لجأ إليها بعد 7-10 سنوات تبعاً لكل دولة.
أما النوع الرابع فهو القائم على الشراء. وتبعاً لما يؤكده رجل الأعمال في حديثه لـ “أثر برس”، فإن الأسعار كانت في البداية مرتفعة، وغالباً كان الأمر يستلزم شراء عقار، والتعهد بعدم بيعه لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ومن ثم يحصل الشخص على الجنسية مقابل مبالغ خيالية، فهناك من دفع 125 ألف دولار، وما بين 10-15 ألف دولار عن الزوجة والأولاد، وهناك من استثمر بالعقارات بيعاً وشراءً في دول أوروبية وحصل على الجنسية بعد 5 إلى 7 سنوات. فريق ثالث أقام مشروعاً صناعياً في هذا البلد أو ذاك، وحصل لاحقاً على الجنسية، وهكذا.
بالمختصر، يمكن القول: على مدار السنوات السابقة دفعت مبالغ مالية طائلة لقاء الحصول على جنـسية ثانية، فالأمر لا يقف فقط عند ما يتوجب دفعه مالياً أو استثماره، فهناك نفقات أخرى كثيرة، كالتكاليف التي تتقاضاها المكاتب والشركات التي تتولى متابعة الملف، رسوم السفر، تذاكر الطيران، مصاريف الإقامة في الخارج، وغير ذلك.
وكما هو معتاد، فمع مرور الوقت، انخفضت قيمة المبالغ المالية المتوجب دفعها للحصول على جنـسية بعض الدول، وحسب عدة مصادر خاصة في القاهرة، دبي، وبيروت، فإن حصول السوري على جنسـية بعض الجزر كسانت كيتس ودومينيكان، يضطره لدفع حوالي 100 ألف دولار، إذا كان يريد الحصول على جنسية لنفسه فقط، وحوالي 200 ألف دولار لأسرة مؤلفة من أربعة أشخاص. وقبل حوالي ست سنوات كانت الأسرة مضطرة لدفع 400 ألف دولار.
ويكشف صاحب عمل خاص يتنقل بين سوريا وعدد من الدول، أن هناك دولاً كقبرص ومالطا يحتاج الفرد للحصول على جنسيتها إلى استثمار حوالي مليون يورو فيها، ولمدة لا تقل عن عشر سنوات شريطة ألا يهبط المبلغ المستثمر عن 350 ألف يورو، وعندئذ بإمكان الفرد الحصول على الجنسية خلال ستة أشهر. وللعلم فإن السعي للحصول على جنسية دولة ثانية أمر يشترك فيه العديد من السوريين، العراقيين، والليبيين، وغيرهم.
لا مخرج
تتفق معظم الآراء على أن الظاهرة زادت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، ولأسباب متعلقة بالأوضاع الاقتصادية الداخلية، إذ يجد الكثير من الصناعيين والتجار صعوبة في العمل ضمن بيئة أعمال غير مستقرة وغير آمنة، لا توفر مستلزمات الإنتاج وفق أسعار تنافسية، هذا فضلاً عن التحديات والصعوبات التي تخلفها العقوبات الغربية على البلاد وقطاع الأعمال بالذات. ولا يتردد رجل الأعمال في القول: “إن بعض أصحاب الأعمال ممن رفضوا سابقاً الدخول في إجراءات شراء جنسية ثانية، اضطروا مؤخراً إلى تقديم طلبات لهم ولأسرهم”.