خاص|| أثر برس رغم صعوبة الظروف الاقتصادية، يحرص بعض أهالي دمشق على إحياء طقوسهم وعاداتهم الاجتماعية في وداع شهر شعبان، عبر الخروج إلى الأماكن الخضراء أو المطاعم والمقاهي بطقس عائلي واجتماعي يُعرف بـ “تكريزة رمضان” لتزامنها مع اقتراب شهر رمضان لتكون بمثابة النزهة التي تجمع العائلة والأصدقاء وقضاء وقت في التسلية والترفيه ليستعدوا بعدها لقضاء الشهر المبارك.
يقول الفنان الشعبي أنور باكير لـ “أثر”: “تسمية تكريزة لا تحمل أي معنى لكنها دلالة على السيران الشامي الذي كان يقوم به أهالي الشام منذ القديم في آخر أسبوع من شهر شعبان حيث يخصصون يوم بآخر أسبوع من شعبان ويذهبون إلى مناطق الغوطة والربوة وعين الفيجة وبساتين الشاغور وكفرسوسة والمزة يجتمع فيه أفراد الأسرة مع الأصدقاء أو الجيران من الساعة العاشرة صباحاً حتى السادسة مساءً مصطحبين معهم أدوات تحضير أصناف الطعام من اللحوم لإعداد الشواء والتبولة والمقالي وغيرها من الأكلات التي تحرص النساء على إعداد كميات كبيرة منها سواء في المنزل أو خلال وقت التكريزة”.
وأضاف باكير وهو (عضو في مجموعة أصدقاء التراث الشامي التي تأسست منذ عام وتعمل على إحياء مختلف طقوس التراث الشامي من الحكواتي إلى العراضة الى التكريزة وغيرها): “من يمتلك مواصلات كان يذهب إلى أماكن أبعد مثل الزبداني وبلودان و كانت المواصلات إلى الأماكن القريبة عبر الحنتور أو المشي وكان يشارك فيها مختار الحارة والرجال المعروفون بها”، موضحاً أنه في حال تزامن وقت التكريزة في فصل الشتاء كانت تقام في المنزل في الغرف الكبيرة حيث يجتمع أفراد العائلة لتناول ما لذّ وطاب من الطعام وبحسب وضع كل عائلة فهذا الطقس لا يقتصر على ميسوري الحال بل يقوم به الجميع كطقس اجتماعي.
ويقوم المشاركون بـ”التكريزة” وفق باكير سواء في المناطق المفتوحة والأراضي الخضراء أو المنزل بالغناء الديني الذي يعرف بالإنشاد أو أغاني الطرب الأصيل إضافة إلى لعب طاولة الزهر والبرسيس وسرد بعض الحكايات، مؤكداً أنها عادة شامية اصيلة تعبر عن التكافل الاجتماعي والمحبة إلى جانب أنها شيء روحاني استعداداً لشهر رمضان الذي يتفرغ به الشخص للعبادة.
ولفت باكير إلى أن التكريزة لا تقتصر على اهالي دمشق بل عرفت منذ القديم في عدة دول منها مصر حيث تعرف باسم “تكريزة رمضان” أيضاً، بينما بفلسطين تُعرف بـ “شعبونية” نسبة إلى شهر “شعبان”.
وحول القيام بـ”التكريزة” في الوقت الحالي، قال باكير: “في هذه الأيام يحاول بعض الشباب إعادة إحياء هذا الطقس ويشاركون به لكن في المطاعم خاصة الربوة أو الأماكن المغلقة، مضيفاً: “لكن نظراً للظروف الاقتصادية أصبحت الأطعمة تقتصر على أنواع بسيطة منها التبولة والفول بالزيت والمقالي وأصبح الشواء أمر صعب نوعاً ما”.
وكشف الفنان الشعبي أنور باكير أن مجموعة أصدقاء التراث الشامي التي تضم أشخاص من مختلف مناطق دمشق القديمة منها القنوات وساروجة والشاغور تستعد حالياً في إطار الحفاظ على التراث القديم لإطلاق جمعية العادات الأصيلة قريباً والتي ستجمع شخصيات تهتم بالتراث والعادات الشامية القديمة والتي ستنفذ أنشطة متنوعة في هذا المجال.
بالمقابل، أوضح عدد من الأهالي لـ “أثر” أن تكريزة رمضان باتت تقليداً من الماضي لا يمكن لمعظم الأهالي القيام به، نتيجة الأوضاع المعيشية المتردية، ليضيف العم أبو محمد بلهجته العامية وملامح التعب تبدو على وجهه: “دوبنا نقدر نأمن مصروف رمضان، فالشخص غير القادر على تأمين الطعام الذي يحتاجه في هذه الظروف، كيف له أن يفكر بالتكريزة التي تكلّف مبالغ مالية كبيرة “.
جدير بالذكر أنه لا يوجد أصل لغوي لكلمة تكريزة ولكن ذهب عدد من الباحثين والمؤخرين للإجماع على أن التكريزة فسحة وداع لما لذ وطاب قبل قدوم شهر رمضان، ورأى آخرون أن التكريزة هي رحلة تقضيها الأسرة خارج منزلها.