ترافق انتهاء محادثات أستانا 20 بين نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وروسيا وإيران، مع تصعيد ميداني في مناطق شمالي وشمال غربي سوريا، من دون تقديم أي توضيح سوري أو تركي رسمي لتفاصيل المحادثات، والاكتفاء بنشر بيان ختامي يتضمن مجموعة من البنود التي لم توضّح ما يجري في الواقع.
في هذا الصدد، نشرت صحيفة “يني شفق” التركية -المقرّبة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان- بعض التسريبات عن النقاط التي أشار إليها الوفد التركي في المحادثات، وأبرزها “مكافحة الإرهاب” الذي تحصره أنقرة بـ”الوحدات الكردية” من دون التطرق إلى الفصائل المسلحة المنتشرة غربي سوريا وأبرزهم “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وحلفاؤها)”، وبحسب الصحيفة فإن أنقرة اقترحت لتنفيذ هذا الغرض تأسيس آليّة تنسيق عسكرية مشتركة، لتجري عمليات مشتركة في مواجهة مراكز “الإرهاب”، موضحةً أن كلّ بلد سيتمثّل بمندوب ضمن هذه الآلية التي ستتّضح معالمها أكثر في الاجتماعات المقبلة.
وفي سياق الحديث عن المطلب التركي المتعلق بـ”مكافحة الإرهاب”، شددت مصادر سوريّة قبل يوم واحد من انطلاق محادثات أستانا 20، على أن المطلوب من الجانب التركي هو تسمية الأشياء بمسمياتها، مشيرة إلى أن “الإشارات الفضفاضة المتعلقة بهذا الملف وتأكيد مكافحته بكل أشكاله لم تعد مقبولة، سيما إذا ما أرادت الأطراف المعنية والضامنة لمسار الرباعية إحراز تقدم جدي في هذا المسار، إذ ترى دمشق أن تسمية التنظيمات الإرهابية التي تجب محاربتها وبصورة واضحة سيشكل أحد الأسس اللازمة للتقدم والوصول إلى نقاط اتفاق، إذ ما زال الجانب التركي يصر على ربط مكافحة الإرهاب بالتنظيمات الكردية شمالي سوريا، ويتغافل عن ذكر محاربة التنظيمات الإرهابية من جبهة النصرة وغيرها من إرهابيين الموجودين في مناطق إدلب وريف حلب الشمالي تحت أعين الاستخبارات التركية”، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” السورية.
أما النقطة الأخرى التي أشار إليها الوفد التركي في المحادثات تمثّلت بتحقيق “العودة الآمنة” للاجئين السوريين إلى سوريا، وشددت أنقرة على أن عودتهم يجب أن تكون إلى “المنطقة الآمنة” التي تعمل تركيا لإنشائها في المناطق التي تسيطر عليها شمالي سوريا بتمويل قطري، وبحسب “يني شفق” فإن “الجانب التركي اقترح على المجتمعين أن يعود السوريون أولاً إلى (مناطق آمنة) تُنشأ لهم، ثمّ يمكنهم الانتقال لاحقاً إلى أماكن انتمائهم”.
بينما يتناقض المقترح الذي قدمه الوفد التركي في المحادثات مع ما صرّح به أردوغان، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، إذ أكد حينها أن مشاريع إسكان ستبنى بالتعاون مع قطر لعودة مليون لاجئ سوري، وقال: “إن هذه المنازل لن تكون مؤقّتة بل دائمة، وهي ستقام في أماكن متفرقة من الشمال السوري، بدءاً من جرابلس”.
وتعقيباً على المطلب التركي المتعلق بتحقيق عودة آمنة للاجئين السوريين، أشارت تقارير تركية إلى أن الرئيس بشار الأسد أصدر في السنوات الأخيرة أكثر من عفو عام.
الموقف السوري
ويأتي تقرير “يني شفق” المقربة من أردوغان، المتعلق بالمطالب التركية في ملف التقارب السوري- التركي، في الوقت الذي تشدد فيه دمشق على أن وضع جدول زمني محدد للانسحاب التركي من سوريا هو المدخل الوحيد لأي علاقات بين البلدين.
وكذلك سبق أن شدد الرئيس الأسد، في لقاء جمعه مع معاون وزير الخارجية الإيرانية للشؤون الخاصة علي أصغر خاجي، بتاريخ 12 حزيران الجاري “على وضع استراتيجية مشتركة تحدد الأسس وتوضّح بدقة العناوين والأهداف التي تبنى عليها المفاوضات القادمة سواء كانت بخصوص الانسحاب التركي من الأراضي السورية أم بخصوص مكافحة الإرهاب أم بخصوص غيرها من القضايا، وتضع إطاراً زمنياً وآليات تنفيذ لهذه العناوين، وذلك بالتعاون مع الجانبين الروسي والإيراني”.
الخلاف لا ينفي التقدّم
الحديث عن اختلاف بوجهات النظر التركية والسورية وغياب تأثير هذه المحادثات في الواقع لا ينفي حقيقة وجود جهود في هذا المسار، فبعد أيام من محادثات أستانا 20، وصل نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، إلى دمشق والتقى الرئيس الأسد، ووزير الخارجية فيصل المقداد.
وعقب انتهاء المحادثات، أعلن مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، أن سوريا وتركيا وإيران اتفقت على مفهوم “خريطة الطريق”، التي قدّمتها روسيا بشأن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
بدوره أكد رئيس الوفد الإيراني، نائب وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي، أن روسيا وإيران وتركيا وسوريا لديها رغبة في إجراء اجتماع آخر على مستوى نواب وزراء الخارجية.
وتعقيباً على هذا المسار قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا سفير روسيا في دمشق ألكسندر يفيموف، في لقاء صحافي أجراه بتاريخ 12 حزيران الجاري “أنا لا أظن أنه ينبغي توقّع أي نتائج اختراق سريعة في هذا الأمر، فمن الصعب في غضون أسابيع أو أشهر قليلة استعادة ما تمّ تدميره بمدة اثني عشر عاماً، إذ ينتظرنا كثير من العمل الشاق في هذا الاتجاه ويجب الاعتراف بصراحة أن مواقف الطرفين ما زال بعضها بعيداً عن بعض”، مضيفاً أن “الطريق، بغض النظر عن طوله، يبدأ دائماً بالخطوة الأولى، وغالباً ما تكون هذه الخطوة هي الأكثر صعوبة والأكثر أهمية، وحسب ظني في هذه الحالة أن انتقال سوريا وتركيا إلى اتصالات عامة مباشرة بعد أكثر من عشر سنوات من التجميد التام للعلاقات الثنائية بينهما يُعدُّ بحد ذاته نجاحاً كبيراً”.