خاص|| أثر برس “خرمان على كاسة متة” عبارة يقولها الكثير من الأشخاص بعد ساعات عمل طويلة أو خروج من المنزل والبقاء بمكان يصعب فيه تواجد الطعام أو الشراب، وباتت شعار عشاق المتة لاحقاً لكونها مشروب منبه وأصبح تناوله عادة يومية وفي طقوس معينة تتسم بها العائلة أو الفرد وحتى باتت ميزات لسكان المنطقة.
تقول ريم (ابنة مدينة جبلة الساحلية) لـ “أثر”: “مشروب المتة مع الليمون بات سلوكي صباح كل يوم، وأشعر بالتعب وفقدان المتعة إذا لم تتسن لي فرصة شربها صباحاً لسبب ما”، بينما تؤكد عفراء أن المتة مشروب أسرتها الأول بامتياز من مختلف الأعمار وتشرب أكثر من 5 مرات باليوم المتة في كل مرة لمدة تتجاوز الساعة وتفضلها بلا سكر ومع البابونج أحياناً.
مشروب المتة ليس في المنطقة الساحلية من سوريا فقط بل في مناطق ريف مشق وحمص وامتد لباقي المحافظات حتى لو بنسب أقل لكن الكثير أحبها بعد تذوقها أكثر من مرة في دعوات الاصدقاء.
ماهي طقوس شرب المتة اجتماعياً وأهميتها الصحية؟ أسئلة تثير فضول أغلب الناس واستطاع الإجابة عنها الباحثان السوريان الدكتور شادي الخطيب والدكتور عمر جباعي عبر بحث علمي نشر مؤخراً لهما في مجلة بريطانية.
وفي التفاصيل، أوضح رئيس الجمعة العلمية السورية الطبية للأعشاب والطب التكميلي والتجانسي والتغذية الدكتور شادي الخطيب في حديث لـ”أثر” أن “البحث العلمي عبارة عن مقال نشر في مجلة (كايوس Qeios) البريطانية بعنوان (التوثيق الإثني النباتي للاستخدام الشعبي لنبات المتة في سوريا) وهو دراسة مسح ميداني، وتناول المقال الأهمية الشعبية للمتة في سوريا حيث يُعتبر مشروب المتة من المشروبات العشبية التقليدية التي تُستهلك بسبب تأثيراتها المنشطة وفوائدها الصحية، وتتمتع بارتباط ثقافي عميق في سوريا بعد أن أدخلها المهاجرون من أمريكا الجنوبية في أوائل القرن العشرين”.
وأَضاف د.الخطيب: “يوثق هذا البحث الممارسات الثقافية والاجتماعية والصحية المحيطة باستخدام المتة في سوريا، مع تسليط الضوء على دمجها في العادات المحلية وتحضيرها بالأعشاب”، متابعاً: “بيّن البحث أن سكان منطقة القلمون الغربية في محافظة ريف دمشق هم أول من أدخل المتة إلى سوريا، حيث أنشؤوا تجمعات تُقدّم فيها في أكواب فضية مع مصاصات، إلى جانب المكسرات، خاصة خلال فصل الشتاء، غالباً ما تتجاوز في استهلاكها الشاي والقهوة والأعشاب الطبية”.
وقال د. الخطيب: “في منطقة القلمون، يوجد تقليد لمشاركة مجموعة من الناس لكوب واحد ومصاصة واحد خلال الزيارات الاجتماعية، مما يرمز إلى الوحدة والصداقة، وتُنقع الأوراق لفترة وجيزة في الماء، ويتم شطف المصاصة بين المستخدمين، في المقابل، تستخدم المناطق الساحلية أكواباً ومصاصات فردية، حيث تُنقع الأوراق في الماء البارد قبل إضافة الساخن، أما في السويداء، يُفضل في بعض المناطق استهلاك المتة كمشروب صباحي وبين الطلاب يفضل استهلاكه كطقس خاص من طقوس الدراسة خاصة للمقيمين في المدن الجامعية حيث يكون التجمع حول المتة مهم لاستحضار طقوس الامتحانات واللقاءات، إذاً يحمل المشروب أهمية ثقافية خاصة في مناطق مثل طرطوس والسويداء وسلّمية والقلمون”.
وبحسب د.الخطيب، فإن المتة “تلعب دوراً مهماً في العادات الاجتماعية السورية، حيث أفاد 51.6% من المشاركين بالبحث عبر استبيان وزع خلاله أنهم يفضلون شربها في تجمعات اجتماعية، مما يبرز أهميتها الاجتماعية ويستهلك معظم المشاركين المتة عدة مرات يومياً بنسبة 50%، في حين يشربها 29% مرة واحدة يومياً ويفضل معظم المشاركين (88.9%) نقع المتة لمدة تتراوح بين 2-5 دقائق، ويفضل 68.3% شربها ساخنة”، متابعاً: “ويتم تعزيز مشروب المتة في سوريا عادةً بإضافة أعشاب متنوعة، سواء محلية أو مستوردة، حيث تشمل الإضافات المحلية زهورات دمشقية، مثل الزعتر البري، الشيح، المردكوش، البابونج، عشبة الليمون، زهر الليمون، الغار، إكليل الجبل، المليسة، الريحان، النعناع، الورد الجوري، الميرمية، وشاي الجزائري وهو زهرة الماسة، وتشمل الخيارات المستوردة غالباً الزنجبيل، القرفة، القرنفل، الهال، الشاي الأخضر، والستيفيا، وتختلف تفضيلات الأعشاب بحسب الأذواق الشخصية، ويفضل البعض المتة بدون محليات، بينما يضيف آخرون الحليب أو الليمون إلى الشراب، علماً أن هنالك استطلاع كشف أن 68.6% من مستهلكي المتة المنتظمين يفضلون إضافة الأعشاب في تحضيرها وتتصدر عشبة الشيح القائمة بمعدل استخدام 64.41% ويُعرف بكونه منشطاً ومعززاً للمناعة وعلاجاً للصداع النصفي، والمشاكل الهضمية”.
وتضمن البحث جانباً عن الفوائد الصحية للمتة أبرزها وفق الدكتور الخطيب “وجود خصائص مضادة للأكسدة وللالتهاب وقد تساعد في الوقاية من الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية كما يمكن أن تساعد في الحفاظ على مستويات صحية من الكوليسترول الضار وزيادة الكوليسترول الجيد ولها دور في تحسين الهضم وفقدان الوزن”، مشيراً إلى أن من الفوائد الهامة أيضاً زيادة الوظيفة الإدراكية والمزاج حيث يمكن أن يحفز الكافيين الموجود في المتة اليقظة العقلية والتركيز والمزاج.
وخلص البحث إلى أنه “تم دمج المتة بنجاح في الحياة الثقافية والاجتماعية في سوريا، مع تعديلات محلية أغنت استخداماتها التقليدية، فإضافة الأعشاب الطبية المخصصة لتفضيلات واحتياجات الأفراد الصحية يشير إلى تفاعل معقد بين التراث الثقافي واستخدام المشروبات الوظيفية، ويُظهر هذا التزاوج بين التقاليد أن المتة ليست فقط مشروباً اجتماعياً ولكن أيضاً علاجياً في سوريا، حيث تقدم فوائد صحية من خلال مركباتها الحيوية الفعالة وخصائص الأعشاب المضافة في تحضيرها، وقد توفر الأبحاث المستقبلية حول التأثيرات الصحية لهذه التوليفات العشبية ضمن استهلاك المتة السوري رؤى قيّمة حول تطبيقاتها الأوسع في الطب التكميلي”، بحسب رئيس الجمعة العلمية السورية الطبية للأعشاب والطب التكميلي والتجانسي والتغذية الدكتور شادي الخطيب.