خاص || أثر برس
وفقاً لقرار الكونغرس الأمريكي، والذي ينص بأنه على كل رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية أن يقدم بياناً لإعلان استراتيجيته الخاصة بالأمن القومي للبلاد خلال فترة ولايته، أوكلت هذه المهمة إلى فريق يترأسه هربرت مكماستر نائب الرئيس الأمريكي السابق للأمن القومي لإعداد الوثيقة التي ألقاها دونالد ترامب في كانون الأول عام 2017 الفائت، والتي اعتمدت آنذاك على الواقعية المبدئية ودور الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة العلاقات الدولية كقوة عظمة، إضافة على تركيز تطوير الأسلحة بما يتناسب مع ضرورة تعظيم القوة العسكرية، كما احتوت على مبادئ الليبرالية في نشر المبادئ والحريات الأمريكية إلى شعوب العالم عن طريق توظيف الحرب الناعمة.
جاءت الرؤيا الأمريكية خلال وثيقة الإعلان شاملة مترابطة تعلن استراتيجية مستقبلية لرئيس أمريكي مضى على ولايته أحد عشر شهراً، تتسم شخصيته بالتناقضات والمزاجية في التعامل مع حلفاءه وخصومه على السواء، إلاّ أن الواقعية التي تغلّف الأمن القومي الأمريكي الجديد هو الخوف من تعاظم نفوذ بعض الدول والتعامل مع الجميع على أساس التنافسية بدلاً من التشاركية، وهذا ما أكده دونالد ترامب عندما رفع شعار أمريكا أولاً، ومن هنا بدأت العقبات الأمريكية تزداد في الوقوف ضد مخاض ولادة نظام عالمي جديد بأقطاب متعددة يقوّض استعبادها العالم لقرون منذ سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 .
الجنون الأمريكي الذي يجتاح العالم حالياً أمرٌ طبيعي، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تنجح في كبح جموح الصين عبر فرض ضرائب جمركية لصادراتها، والديون الأمريكية للصين تجاوزت مئات ملايين الدولارات، وزاد الأمر سوءاً قرار فنزويلا بتصدير النفط إلى الصين بالعملة الصينية اليوان، وهذا السبب كاف لقيام أمريكا بمحاولة الانقلاب على حكم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عبر عميلها خوان غوايدو الذي هرب إلى كولومبيا في اعتداء على القانون الدولي أمام أعين مجلس الأمن، ورغبتها أيضاً في نهب ثروات الشعب الفنزويلي كما فعلت خلال احتلالها للعراق عام 2003، كما تعمل على ضرب استقرار الهند بافتعال الأزمات في إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان.
وتبدو أعقد المشكلات التي تواجه الأمريكيين ازدياد النفوذ الروسي في العالم، وتنامي القدرات العسكرية لروسيا بدخولها مرحلة جديدة بالتوازنات الدولية بعد الحرب السورية وفشل المشروع الأمريكي فيها، الأمر الذي أدى إلى انسحاب الأمريكيين وإن كان جزئياً لنقل الصراع إلى أماكن متفرقة في العالم ولتبحث عن مخرجات جديدة تغطي فيها هزيمتها في المنطقة، ويرسم مؤتمر فالداي الذي انعقد في روسيا 19 شباط الماضي المرحلة القادمة للدور الروسي الكبير في منطقة الشرق الأوسط، وهو تمهيد لمؤتمر قادم سيتم عقده في خريف 2019 .
وتمارس الولايات المتحدة الأمريكية الإرهاب الاقتصادي ضد إيران بعد فشلها في تطويع الملف النووي الإيراني، وتحشيد الرأي العام العالمي ضدها في مؤتمر وارسو الذي قاطعته معظم الدول باستثناء بعض الدول العربية وعلى رأسهم السعودية، فالعالم اليوم يدرك مصالحه جيداً وهو غير مستعد لافتعال أزمات تريدها أمريكا.
أمام التحولات لبناء نظام عالمي جديد متعدد يُسقط هيمنة الدولار والنفوذ الأمريكي ويفرض توازنات جديدة يشتد الصراع للحيلولة دون حدوثه، وذلك قد يُنذر بحروب قادمة لا محالة، ولكن الأكيد أن زمان السيطرة الواحدة انتهى.
علي أصفهاني