شهدت مناطق شرق الفرات في الفترة الأخيرة العديد من الحوادث الأمنية أنذرت بأن وجود قوات الاحتلال الأمريكي في المنطقة يمر بمرحلة جديدة، خصوصاً أن هذه الحوادث تزامنت مع إعلان رسمي من قبل وجهاء القبائل عن تشكيل مقاومة شعبية مسلحة تهدف إلى طرد قوات الاحتلال الأمريكي و”قوات سوريا الديمقراطية-قسد” من مناطقهم رافضين الاستجابة لأي من طلبات الاحتلال الأمريكي.
الحوادث الأمنية التي حدثت في الفترة الأخيرة شرقي الفرات السوري، كإطلاق النار على دورية أمريكية وطرد “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” المدعومة من قوات الاحتلال الأمريكي من قرية ذبيان في ريف دير الزور، واستهداف قاعدة للاحتلال الأمريكي في دير الزور بهجوم صاروخي، وغيرها من الحوادث، يبدو أنها ستشكّل تغيراً مفصلياً كبيراً للوجود الأمريكي الغير شرعي في سورية، لكن في الوقت ذاته لا بد من الإشارة إلى أن هذه الحوادث ما هي إلا امتداد للرفض الشعبي الذي بدأ يظهر بوضوح من بداية العام الجاري، عندما بدأ الأهالي بالوقوف ضد الدوريات الأمريكية ومنعها من دخول قراهم، إضافة إلى أن تطور هذه الأحداث كان بالتوازي مع ارتفاع وتيرة الانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال الأمريكي و”قسد” بحقهم.
الإعلان عن البدء بتشكيل المقاومة الشعبية:
في ظل هذه التطورات تجدر الإشارة إلى أن المستجد في هذه المرحلة لا يكمن في مواجهة الأهالي للاحتلال الأمريكي، وإنما هو الاستنفار الأمريكي الذي ظهر بشكل جلي، بعدما أقدمت “قسد” على اغتيال أحد أبرز شيوخ قبيلة “العكيدات” في ريف دير الزور الشرقي الشيخ مطشر حمود الهفل، حيث أعلنت القبائل شرق الفرات السوري حينها عن استعدادها للتصعيد وللقيام للبدء بالمقاومة الشعبية، بالرغم من نفي “قسد” تهمة اغتيال الهفل، فبدأت الاجتماعات بين وجهاء القبائل وأصدروا العديد من البيانات التي أعلنوا خلالها عن البدء بتشكيل قوة عسكرية لمقاومة وجود الاحتلال الأمريكي شرقي الفرات.
محاولات “قسد” والاحتلال الأمريكي إخماد التحركات الشعبية:
“قسد” والاحتلال الأمريكي حاولا التخفيف من ثقل هذه التحركات الشعبية في المنطقة، إلى حد أنهم أصدروا بياناً ادعوا أنه قبيلة “البكير” ترفض عودة مناطقها إلى الدولة السورية، لكن سرعان ما أكدت القبيلة أن هذا البيان لا يمثلها مؤكدة أنها تقف إلى جانب باقي العشائر بموقفها الذي يطالب بخروج قوات الاحتلال الأمريكي و”قسد” من أراضيها وعودتها إلى الدولة السورية، مشددة على أن “قسد” لا تحظى بأي تأييد عشائري، وإلى جانب إصدار البيانات المزوّرة، حاول مسؤولون في “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التفاوض مع وجهاء العشائر على بعض المطالب، حيث أفادت وكالة “سبوتنيك” الروسية بأن وفداً من أبناء قبيلة البكارة، التقوا عدداً من ممثلي قوات الاحتلال الأمريكي في قاعدة حقل العمر النفطية غير الشرعية، حيث رفض الوفد تسليم الأسلحة المصادرة وإعادة المواقع التي سيطر عليها أبناء القبيلة في قرية جديد بكارة، وذلك عقب اشتباكات اندلعت بين أهالي القرية و”قسد” انتهت بطرد الأخيرة من القرية.
ملامح المرحلة المقبلة بدأت تتبلور:
من الواضح مما سبق أن تحركات العشائر وأهالي شرق الفرات جدية ولا تراجع فيها، فالمقاومة الشعبية في تلك المناطق هي عبارة عن حراك شعبي قوامه شبان وشيوخ عشائر، نفوسهم مثقلة من انتهاكات “قسد” بحقهم، إضافة إلى وجود دولة ذات قوة وسيادة سبق أن أعلنت عن استعدادها للوقوف إلى جانب أي مقاومة شعبية ضد قوات الاحتلال الأمريكي، ما يشير إلى أن هذه المقاومة قائمة وجدية، وستمهد طريق طرد قوات الاحتلال الأمريكي من تلك المناطق، وهذه حقيقة تدركها الولايات المتحدة جيداً.
كل ما ذُكر مسبقاً يضاف إلى جملة المصاعب المحيطة بقوات الاحتلال الأمريكي و”قسد” فالأخيرة لا تزال تشهد المزيد من الانقسامات، وانتقادات بعض أعضاء الإدارة الأمريكية للوجود الأمريكي في سورية تتزايد بالتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وبالتالي فإن حدوث أي تصعيد شرقي الفرات وإلحاق الضرر بأي جندي أمريكي في هذه المرحلة سيكون له تأثير كبير في الداخل الأمريكي.
زهراء سرحان