خاص || أثر برس لطالما كانت منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي تعتبر من أهم الخزّانات الزراعية في سورية منذ عقود طويلة، وخاصة في ظل امتلاكها لملايين الأشجار المثمرة متنوعة الإنتاج، إلا أن هذا الخزّان بات يعاني بشكل مخيف مؤخراً إبان استمرار ممارسات الفصائل المسلحة المدعومة تركياً باتجاه الأراضي الزراعية الخيّرة في عموم المنطقة.
فبعد سلسلة الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل المسلحة بدعم تركي بحق أصحاب الأراضي الزراعية من مصادرة المحاصيل ونقل الملكيات ومنعهم من استخدام الجرارات الزراعية، والتي كان “أثر برس” نشر عنها في وقت سابق، عمد مسلحو الفصائل مؤخراً إلى تنفيذ أعمال قطع مكثفة للأشجار المثمرة المنتشرة في منطقة عفرين، بهدف المتاجرة بأخشابها كحطب للتدفئة وتخزينها استعداداً للشتاء القادم.
وطالت عمليات التحطيب الجائر، بحسب ما أوردته مصادر “أثر برس”، مئات الآلاف من الأشجار المثمرة وخاصة منها الواقعة ضمن الأراضي الزراعية التابعة لنواحي “شرّان، بلبل، وراجو” وهي النواحي المتاخمة للحدود السورية- التركية شمال منطقة عفرين.
وأكدت المصادر بأن معظم عمليات قطع الأشجار الحاصلة، تتم عبر فصيل “صقور الشمال” الذي يسيطر بطبيعة الحال ووفق تقسيمات السيطرة بين الفصائل على رقعة واسعة من القرى التابعة للبلدات المذكورة، في حين تركزت معظم أعمال التحطيب العشوائي ضمن الأراضي الزراعية التابعة لقريتي “سعرينجكة” و”درقليو” اللتين شهدتا إقدام مسلحي الفصائل على قطع معظم الأشجار المثمرة من أراضيهما رغم أن جميع الأشجار التي تم قطعها، هي من الأشجار المحملة بالفواكه الموسمية أو من أشجار الزيتون التي تشتهر بها منطقة عفرين.
وأفادت المصادر بأن عمليات قطع الأشجار تتم على مرأى من أصحاب الأراضي المستهدفة تحت تهديد السلاح وبذريعة معاقبة صاحب الأرض على امتناعه دفع الضريبة المفروضة، إلا أن معظم أعمال التحطيب التي سجلت كانت تستهدف الأراضي الزراعية التي نزح أصحابها من منطقة عفرين خلال فترة العملية العسكرية التركية “غصن الزيتون” مطلع العام الماضي.
وعملت المجموعات المسلحة طيلة الفترة الماضية على نقل الأشجار المقطوعة إلى مناشر خاصة لتقطيعها، حيث تتم تعبئة الحطب ضمن أكياس كبيرة يتم إرسالها معظمها تباعاً إلى مخازن كبيرة موجودة في محيط مدينة إعزاز، تمهيداً لبيعه مع دخول فصل الشتاء والذي يعتبر الموسم الرئيسي لبيع الحطب لاستخدامه في أغراض التدفئة.
ولفت شهود عيان لـ “أثر برس”، إلى أن كميات من الحطب المجهز تم نقلها إلى داخل الأراضي التركية، فيما تم توزيع عدة أطنان على عدد من عائلات المسلحين القاطنين في منطقة عفرين، وعلى عدد من المحارس والمقرات التابعة للفصائل الموالية لأنقرة.
ونقل شهود العيان تأكيدهم بأن مسألة التحطيب والأرباح المجنية منها، تعود بالكامل إلى صالح عدد من قادة الفصائل المسلحة الذين حصلوا على موافقة التركية في “تعهّد” تجارة الحطب، مشيرين إلى أن الحطب يتم بيعه بشكل مباشر من مقرات قادة محددين من قادات الفصائل بسعر /12000/ ليرة سورية للطن الواحد، في حين توزّع كميات من المادة للمسلحين وعائلاتهم بشكل مجاني.
ولم تفلح كل محاولات الأهالي المستمرة في وقف عمليات التحطيب الجائر التي تطال أراضيهم، ورغم تسجيل اعتراضات ومشاحنات بين أصحاب الأراضي أو العاملين فيها مع مسلحي الفصائل المكلفين بقطع الأشجار، إلا أن محاولات الأهالي باءت بالفشل في ظل تهديدهم بالقتل إن حاولوا منع العناصر من تأدية مهمتهم، فيما تطورت الأمور إلى الاعتقال وفق قول “أبو محمود” من أهالي قرية “سعرينجكة” لـ “أثر برس” الذي قال: ” تم تهديدي بالاعتقال وربطي إلى إحدى الأشجار مع ولدي الوحيد لأننا حاولنا منعهم، قبل أن يقدموا بعد ذلك على قطع نحو نصف الأشجار المثمرة الموجودة في أرضي أمام ناظري ونقل الخشب إلى أحد مقراتهم، حيث بقينا أنا وولدي في مكاننا لعدة ساعات قبل أن يأتي بعض رجال قريتنا ويتمكنوا من تحريري”.
واللافت كان غياب أي دور أو تحرك من قبل عناصر الشرطة التركية المنتشرة في أرياف منطقة عفرين تجاه تصرفات مسلحي الفصائل، الأمر الذي أكد صحة ما نقله شهود العيان حول أن عمليات التحطيب تتم بموافقة ومباركة من قبل القوات التركية.
تجدر الإشارة إلى أن القوات التركية كانت عملت بدورها قبل فترة على اكتساح مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية واقتلاع أشجارها بهدف إنشاء الجدران العازلة في منطقة عفرين، سواء الأراضي الواقعة تحت الجدار الفاصل بين عفرين وبين مناطق سيطرة الدولة السورية الممتد من “كيمار” إلى “باصوفان”، أو الأراضي الأخرى التي يمر فيها الجدار العازل المحيط بكامل مدينة عفرين.
يذكر أن منطقة عفرين كانت تعتبر من أوائل المناطق السورية من حيث عدد الأشجار المثمرة وخاصة أشجار الزيتون التي يبلغ عددها ملايين الأشجار، ما جعل منطقة عفرين من أهم المناطق الزراعية في سورية، إلا أن الواقع الحالي الذي تعيشه المنطقة على يد الأتراك والفصائل الموالية لهم، زعزع استقرار هذه المنطقة وجعلها في خطر دائم يهدد حياة الآلاف من العائلات الذين يقتاتون من محاصيل أراضيهم.
زاهر طحان – حلب