خاص|| أثر برس في الوقت الذي شهدت فيه العلاقات “السورية- العربية” تطورات واضحة جاء بعضها من بوابة بغداد في الآونة الماضية، والتي تمثلت بزيارة رسمية للوفد البرلماني العربي برئاسة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي دمشق، إضافة إلى زيارة عدد من الشخصيات العربية الرسمية كوزراء خارجية مصر والإمارات وسلطنة عمان والأردن دمشق لقائهم جميعاً الرئيس السوري بشار الأسد، علم “أثر” من مصادر مطّلعة أنّ هناك محاولة حثيثة تسعى إليها دمشق لإعادة البحث من جديد بمسألة التعاون الاقتصادي بين سوريا ودول الجوار عموماً، والتعاون في مجال النفط مع العراق على وجه الخصوص.
وبينت المصادر أنّ المحاولات التي تجري الآن، تسعى الحكومة السورية فيها إلى إعادة النقاش فيها، وتستهدف البحث عن سُبل جديدة تضمن إعادة العمل بأنبوب نفط “كركوك- بانياس” الذي يربط سوريا بالعراق، مشيرةً إلى أنّه من المتوقع أن يكون هناك زيارات مرتقبة بين البلدين بهذا الخصوص.
وجاء حديث المصادر في وقت تركت التطورات الأخيرة بين سوريا والعراق، حالة ارتياح كبيرة في الأوساط السورية ما فتح باباً واسعاً لإعادة إحياء الحديث بهذا الموضوع خاصة أنّ سوريا تعيش أزمة كبيرة في المشتقات النفطية منذ أعوام عدة، وهنا رجحت المصادر احتمالية أن هناك زيارة وفد سوري إلى العراق في الأيام المقبلة، وذلك بهدف بحث حيثيات موضوع التعاون النفطي، مبينة أنّ الاتفاق على إعادة تشغيل أنبوب نفط “كركوك- بانياس” سيكون مفصلياً لسوريا لخلاصها من أزمتها النفطية الحالية خاصة أنّ أغلبية آبارها النفطية خارج السيطرة، وكذلك للعراق الذي يتكلف مبالغاً باهظه في تصدير نفطه للخارج.
ما هو أنبوب “بانياس- كركوك”؟
يعود تاريخ تأسيس أنبوب تصدير النفط العراقي- السوري “كركوك- بانياس” إلى 23 تشرين الثاني 1952، ونفذته شركة “بريتيش بتروليوم” البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية والتي كانت لها استثمارات نفطية كبيرة في البلدين، واستُعمل لفترات متقطعة تاريخياً متأثراً عمله بالتطورات التي حصلت في المنطقة عموماً، والتغيرات الداخلية في سوريا والعراق على وجه الخصوص.
استمر العمل بالأنبوب منذ تأسيسه استمراراً متواصلاً حتى عام 1980، حيث توقف العمل به لحقبة طويلة منذ أوائل الثمانينيات مع اندلاع الحرب “الإيرانية – العراقية”، وعاد إلى العمل من جديد في عام 1997، واستمر لمدة عشر أعوام ليعود ويتوقف بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ثم عاد إلى العمل للمرة الثالثة في عام 2010، ولم يدم العمل به طويلاً نتيجة اندلاع الحرب في سوريا وبالتالي توقف حتى الآن.
وتشير التقديرات الأولية حالياً إلى أنّ إعادة تشغيل الخط في الوضع الراهن تحتاج إلى صيانة استراتيجية بتكلفة مالية كبيرة نتيجة الأضرار التي تعرض لها الخط في سنوات الحرب بسوريا وكذلك تضرر أجزاء منه في العراق. وهنا يؤكّد الخبراء أنّه وعلى الرغم من التكلفة المالية الكبيرة للخط، فإنه على المدى المتوسط والطويل هو الأكثر فائدة للبلدين بوصف أنّ الخط هو أقصر منفذ بري للنفط العراقي إلى المتوسط وبالتالي إلى الأسواق الأوروبية.
أين تكمن أهمية خط “كركوك-بانياس”؟
على الرغم من توقف أنبوب النفط المذكور منذ أكثر من 13 عاماً فإنّ أهميته الاستراتيجية تزداد يوميّاً لسوريا والعراق، ففيما يخص العراق سيخفف الخط من تكاليف نقل وتصدير النفط التي تزداد يوماً بعد يوم، فيمثل طريقاً مختصراً لصادرات النفط العراقي إلى البحر المتوسط، كما وأنه يربط أهم حقول النفط العراقية في شمال العراق بالمتوسط والتي يوجد فيها احتياطي نفط يُقدّر بـ13 مليار برميل تقريباً، أي ما يشكل 12% من إجمالي الاحتياطي العراقي من النفط الخام، وسيساهم في منع تركيا من التحكّم في عمليات تصدير النفط العراقي المنقول من “كركوك” إلى ميناء “جيهان” التركي على البحر المتوسط، خاصة أنّ الحكومة الفيدرالية العراقية كانت سابقاً على خلافات كبيرة مع تركيا بهذا الشأن. ويمكّن العراق من الاستفادة من مصافي النفط السورية بوصف أن وصول النفط الخام إلى سوريا يسهل عمليات التكرير لتكون بديلاً لمصافي التكرير التي تستهدفها الحكومة العراقية في مصر. وسيساعد العراق أيضاً على زيادة إنتاجه النفطي اليومي لأن الخط مصمم لطاقة تصديرية كبيرة، خاصة أنّ العراق يعمل على زيادة الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يومياً بحلول 2027.
أمّا فيما يتعلق بسوريا، سيسهم في توفير المشتقات النفطية التي تحتاج إليها البلاد اليوم في ظل الأزمة الحالية التي تمر بها، وسيكون مصدراً لتأمين الطاقة سيما وأنّ أغلبية احتياجاتها مستوردة، كما سيسهم الخط في تمتين العلاقات الاقتصادية “السورية- العراقية” في مختلف السلع والخدمات خاصة أن الأسواق العراقية تعتمد عدداً من أصناف السلع السورية كالألبسة اعتماداً كبيراً، وسيعود بمنافع كبير للمواني السورية ما يعني أنه سيزيد من حركة الملاحة البحرية وسينشط الحركة الاقتصادية هناك.
هل يتوافق مع المصالح الروسية؟
تشير بعض التقديرات الاستراتيجية، إلى أنّ إعادة تشغيل أنبوب “كركوك- بانياس” ليس قراراً سورياً- عراقياً، وإنما تقف ورائه دول كبرى، وتتمثل بالدرجة الأولى في روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وإنّ تشغيل الخط سيعزز وصول النفط العراقي إلى الأسواق الأوروبية بأسعار رخيصة، وسيشكل هذا الخط منافسة فعلية للنفط الروسي في أوروبا، ما قد يدفع روسيا لمعارضة هذا المشروع، في حين يرى خبراء آخرون خلاف ذلك، فروسيا برأيهم أكثر الأطراف مستفيدة منه خاصة أنّ إعادة تشغيل الأنبوب يحتاج إلى تكاليف مالية كبيرة والحكومة السورية اليوم غير قادرة على تحمّلها لذا ستكون الشركات الروسية حاضرة كون ذلك سيعزز من سيطرة روسيا الكاملة على كميات كبيرة من صادرات النفط من الشرق الأوسط ذات التكلفة الأقل إلى دول الاتحاد الأوروبي، بوصف أنّ روسيا تملك ما نسبته 60 في المائة من أنبوب نفط “كركوك- جيهان” بوساطة شركة “روزنفت” العاملة في مجال الطاقة، وهنا يعلق الخبير النفطي العراقي، نبيل المرسومي، لـ”سكاي نيوز عربية” على أهمية إعادة تشغيل الخط لروسيا حيث يؤكّد سعي موسكو إلى تعزيز مصالحها الاستراتيجية في سوريا خاصة أنّ خط “كركوك- بانياس” يمكنها من التحكم أو السيطرة على الصادرات النفطية المتجهة نحو الدول الأوروبية.
ماذا عن مكاسب إيران؟
إيران بالتأكيد وفقاً للخبراء، ستكون مستفيدة لاعتبارات عدة أهمها أنّه سيشكل ضربة لمشروع خط أنابيب “العقبة” وبالتالي يتفق والمصالح الإيرانية في المنطقة والتي لا تريد أن تكون “إسرائيل” ضمن معادلة نفط الشرق الأوسط أو مستفيدة من النفط العراقي بالتحديد خاصة أنّ التقارير الأخيرة تشير إلى أنّ “إسرائيل” ستحقق استفادة من النفط المنقول عبر خط العقبة ما نسبة 5% وهذا رقم ليس قليلاً. وثانياً، سيخفف الخط من التكاليف المالية التي تتحملها إيران نتيجة تزويدها سوريا بالمشتقات النفطية والتي غالباً تكون ضمن الخط الائتماني الإيراني الذي غير معروف ثمن تسديده.
وأخيراً، تشكل إعادة تشغيل الخط مصلحة إيرانية من جهة أنّه سيشكل ورقة ضغط على القوى الكردية في شمال العراق، ما يعني أنّ صادرات النفط العراقية إلى أوروبا لن تكون تركيا المتحكم بها، وهذا بالتأكيد سيضعف موقف القوى الكردية في سوريا والتي تعد إيران من الدول المناهضة للمشروع الكردي في منطقة الجزيرة السورية. وفي هذا السياق، يؤكّد الخبير المرسومي، أن “هناك محاولات روسية، حثيثة، بالتنسيق مع سوريا، وإيران والعراق، لإعادة تشييد وإحياء هذا الخط، ليكون بديلًا للخط الكردي، الواصل إلى جيهان التركي”.
التحديات التي تعيق المشروع؟
ثمّة هناك تحديات عدة حقيقة تسببت في إيقافه أساساً وما تزال هذه التحديات موجودة وربما توسعت، إنّ إعادة تشغيل الأنبوب يتعارض مع مصالح كيان الاحتلال الذي يسعى إلى أن تكون شريكاً في خط “البصرة- العقبة” الذي تم إنشاؤه بعد القمة الثلاثية الرابعة التي عقدت بين “الأردن، ومصر، والعراق” في حزيران 2021 في بغداد، وهذا بالتأكيد سيجعل “إسرائيل” تخسر مبالغ كبيرة في حال أصبحت صادرات النفط العراقي عبر سوريا لأنها أساساً تقع ضمن معادلة خط “العقبة” كونه يمر من جزيرتي “تيران وصنافير” التي تحتلهما في خليج العقبة.
إضافة إلى ذلك الوجود الأميركي في البادية السورية (قاعدة التنف) وما يحيط بها من وجود لعناصر تنظيم داعش سيبقي المنطقة غير آمنة نسبياً فهذا يشكل حالة عدم استقرار أمني سيجعله معرضاً للتخريب أو السرقات، وكذلك وجود معارضة داخلية في إقليم كردستان العراق التي تسيطر حالياً على قرارات الإدارة النفطية في الإقليم، والتي لا تحبذ التقارب السوري العراقي خاصة من الناحية الاقتصادية لأن ذلك سيعزز التواصل بين البلدين وبالتالي احتمالية انضمام العراق لصف محور المقاومة وهذه المعادلة لا تحبذها القوى السياسية في إقليم كردستان ولا الدول والأطراف الأخرى المرتبطة بها، وخاصة الكيان الإسرائيلي.
قصي المحمد